– كنا ثلاثة أشخاص في طريقنا لمركباتنا بعد أن أدينا صلاة عشاء يوم الأحد، صاحبي (فهد) في مركبتي لقضاء حاجة من إحدى الجمعيات القريبة.

– وهناك تقصير في الدعاء لرفع البلاءات التي حلت بكثير من المسلمين.

– فالدعاء أقوى سلاح، ولكن لابد من الإخلاص فيه، ولابد أن يُتوج بعمل صالح  وإلا أصبح الدعاء (لا قيمة له).

ولنرجع إلى الآيات التي قرأها إمامنا في صلاة العشاء، من أي سورة قرأ؟

– من سورة القصص، ولا ينبغي لمن يسمع المرء هذه الآيات إلا أن يقول (لا إله إلا الله)، دعني أقرأ لك تفسيرها لنتدبر معانيها.

     {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (القصص).

     هذه آيات لإقامة الحجة على وحدانية الله -سبحانه- بلفت النظر إلى قدرته وبديع صنعه، وفي ضمن هذا الاستدلال امتنان على الناس بالنعم وتعريض بكفر المشركين نعمه، واختير للاستدلال على وحدانية الله، هذا الصنع العجيب المتكرر كل يوم مرتين، الذي يستوي في إدراكه كل مميز، وهو أجلى مظاهر التغير في هذا العالم، فهو دليل الحدوث وهو مما يدخل في التكيف به جميع الموجودات في هذا العالم حتى الأصنام فهي تظلم وتسود أجسامها بظلام الليل وتشرق وتضيء بضياء النهار، وكان الاستدلال بتعاقب الضياء والظلمة على الناس أقوى وأوضح من الاستدلال بتكوين أحدهما لو كان دائما؛ لأن قدرة خالق الضدين وجاعل أحدهما ينسلخ الآخر كل يوم أظهر منها لو لم يخلق إلا أقواهما وأنفعهما، ولأن النعمة بتعاقبهما دوما أشد من الإنعام بأفضلهما وأنفعهما؛ لأنه لو كان دائما لكان مسؤوما، ولحصلت منه طائفة من المنافع، وفقدت منافع ضده؛ فالتنقل في النعم مرغوب فيه ولو كان تنقلا إلى ما هو دون، والسرمد: الدائم الذي لا ينقطع. والرؤية قلبية والاستفهام في (أرأيتم) تقرير، والاستفهام في {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ} إنكاري وهم معترفون بهذا الانتفاء وأن خالق الليل والنهار هو الله -تعالى- لا غيره. والمراد في قوله: {إلى يوم القيامة} إحاطة أزمنة الدنيا وليس المراد انتهاء جعله سرمدا. والإتيان بالضياء وبالليل مستعار للإيجاد؛ حيث شبه إيجاد الشيء الذي لم يكن موجودا بالإجاءة بشيء من مكان إلى مكان، ووجه الشبه المثول والظهور.

     والضياء: النور. وهو في هذا العالم من شعاع الشمس قال -تعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً} وعبر بالضياء دون النهار؛ لأن ظلمة الليل قد تخف قليلا بنور القمر فكان ذكر الضياء إيماء إلى ذلك.

     وإذ قد استمر المشركون على عبادة الأصنام بعد سطوع هذا الدليل وقد علموا أن الأصنام لا تقدر على إيجاد الضياء، جعلوا كأنهم لا يسمعون هذه الآيات التي أقامت الحجة الواضحة على فساد معتقدهم، ففرع على تلك الحجة الاستفهام الإنكاري عن انتفاء سماعهم بقوله: {أفلا تسمعون} أي أفلا تسمعون الكلام المشتمل على التذكير بأن الله هو خالق الليل والضياء؟ وكرر الأمر بالقول؛ لأنه مقام توبيخ وتهويل.

ووصف الليل بـ(تسكنون فيه) ولم يوصف الضياء بشيء لكثرة منافعه واختلاف أنواعها.

     ووردت مثل هذه الآيات في سورة الأنعام كقوله -تعالى-: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} (الأنعام:46)، وكما في الآيات السابقة على هذه الآية احتجاج على الكفار وتوبيخ لقصد تأكيد الحجة عليهم، ووحد السمع (سمعكم)؛ لأنه مصدر يدل على الجمع بخلاف البصر؛ ولهذا جمعه (أبصاركم) والأبصار جمع بصر، وهو في اللغة العين علي التحقيق، وقيل: يطلق البصر على حاسة الإبصار وذلك جمع ليعم بالإضافة جميع أبصار المخاذين، ولعل إفراد السمع وجمع الأبصار جرى على ما يقتضيه تمام الفصاحة من خفة أحد اللفظين مفردا والآخر مجموعا عند اقترانهما، كما ورد في مواضع أخرى في القرآن: قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ} (الأحقاف:26).

والختم: الطبع والأخذ: انتزاع الشيء وتناوله من مقره.

     لأن الله هو معطي السمع والبصر فإذا أزالها كانت تلك الإزالة كحالة أخذ ما كان أعطاه، والقلوب مراد بها العقول في كلام العرب؛ لأن القلب سبب إمداد العقل بقوة الإدراك.

وقوله: {من إله} أي أعلمتم جواب هذا الاستفهام أم أنتم في شك؟ وهو استفهام مستعمل في التقرير يقصد منه إلجاء السامعين إلى النظر في جوابه، فيوقنوا أنه لا إله غير الله يأتيهم بذلك؛ لأنه الخالق للسمع والأبصار والعقول فإنهم لا ينكرون أن الأصنام لا تخلق، ولذلك قال لهم القرآن: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (النحل:17)، (وغير الله) صفة (إله)، و(ويأتيكم) جملة في محل الصفة أيضا، والمستفهم عنه هو إله، أي ليس إله غير الله يأتي بذلك، فدل على الوحدانية، ومعنى يأتيكم به يرجعه.

     هذه الآيات ومثيلاتها تتحدى المشركين وتقيم الحجة عليهم وتوبخهم وتهددهم ومع ذلك يستمرون في عنادهم وكفرهم؛ لذلك لن تكون لهم حجة إذا وقفوا بين يدي الله -عز وجل.