(الموت حق)، عبارة آمن بها الخلق جميعا؛ ذلك أنهم رأوها، وتحدث أمام أعينهم مرة بعد مرة؛ فلا يملكون تجاهها سوى  الاستسلام، ولن يمكنهم دفعها، ولا حتى تأجيلها، وإن زعم بعضهم أنه زاد في عمر أحدهم بضعة أشهر بعلاج مرضه!

– هناك حديث ذكر فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – هذه الحقيقة.

– نعم.

    عن طاوس، سمع ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: كان النبي -[- إذا قام من الليل يتهجد قال: «اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد – صلى الله عليه وسلم – حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت – أو: لا إله غيرك – قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: ولا حول ولا قوة إلا بالله» (متفق عليه).

     كنت وصاحبي في طريقنا لزيارة والدته، التي اقترب عمرها من التسعين؛ فاضطروا لإدخالها المستشفى لتعثرها بعتبة غرفتها، فتورمت قدمها.

– لقد تحدى الله الخلق جميعا أن يدرؤوا عن أنفسهم الموت، بل وأخبرهم أنهم سيموتون، ثم يبعثون، ثم يجازون على أعمالهم، وآيات الكتاب بينه في هذه القضية، اسمع قوله -تعالى:

     {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (الواقعة).

     كأنهم قالوا: إنا نقدر على ألا نموت؛ فقال: {فلولا إذا بلغت الحلقوم}، ثم قال: {فلولا إن كنتم غير مدينين} أي غير مجزيين ترجعون تلك النفوس وأنتم ترون كيف تخرج عند ذلك إن كنتم صادقين بأنكم تمتنعون من الموت. وقوله -سبحانه-: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (آل عمران:168). وقوله -عز وجل-: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الجمعة:8). أي إن فررتم من الموت بعدم تمنيه فلن يجعلكم تنجون منه، وهو ملاقيكم لا محالة، وملاقيكم بمعنى مدرككم، كما في قوله -تعالى-: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} (النساء:78).

     جاء معناه موضحا في آيات أخرى، كقوله -تعالى- في سورة آل عمران: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (آل عمران:185)، {كل من عليها فان} (الرحمن:26)، وقوله -تعالى-: {كل شيء هالك إلا وجهه} (القصص:88).

     قوله -تعالى-: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء:34-35).

– ليتك تقرأ لنا شيئا من تفسير هذه الآيات.

– لك ذلك.

استخرجت لصاحبي ملخص بعض كتب التفسير.

     يقول -تعالى- ذكره لنبيه – صلى الله عليه وسلم -: وما خلدنا أحدا من بني آدم يا محمد قبلك في الدنيا فنخلدك فيها، ولا بد لك من أن تموت كما مات من قبلك رسلنا {أفإن مت فهم الخالدون} يقول: فهؤلاء المشركون بربهم هم الخالدون في الدنيا بعدك؟ لا ما ذلك كذلك، بل هم ميتون بكل حال عشت أو مت.

      والخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم – وهو خبر مستعمل في التعريض بالمشركين؛ إذ كانوا يقولون: {نتربص به ريب المنون} (الطور:30)، والمعنى: أن الموت يأتيك ويأتيهم فما يدري القائلون: {نتربص به ريب المنون} أن يكونوا يموتون قبلك، وكذلك كان، فقد رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مصارع أشد أعدائه في قليب بدر، قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أبي جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد، فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عدّهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صرعى في القليب (قليب بدر).

     ومشى أبي بن خلف بعظم بال قد أرم فقال: يا محمد أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم، ثم فته بيده ثم نفخه في الريح نحو رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال: «نعم أنا أقول ذلك يبعثه الله وإياك بعد ما تكونان هكذا ثم يدخلك النار»، وأنزل الله -تعالى-: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (يس:78-83).