– مسألة البعث بعد الموت، أنكرها أقوام، وشك فيها آخرون، حتى أيامنا هذه، مع أن المنكر لا حجة منطقية له، والله -عز وجل- أمر جميع رسله بتبليغها، ورسولنا صلى الله عليه وسلم بيّن لنا -بالتفصيل- ما الذي يحدث للعبد منذ الاحتضار وحتى المستقر، ولكن أهل الأهواء والعناد والكبر يتبعون أهواءهم، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} (القصص:50).

– هذه من أركان الإيمان الستة، التي إذا انتقض أحدها، انتقض صرح الإيمان، أليس كذلك؟

– بلى، وهو ركن تحدى به الله من أنكره، وأقام عليهم الحجة، في آيات كثيرة من كتابه العزيز، وقد حفظه إلى يوم القيامة؛ فالحجة والتحدي قائمان على الجميع، ما دامت السماوات والأرض، يقول -تعالى-: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الأحقاف:33). ويقول -سبحانه-: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (القيامة:36-40).

      {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الروم:27). ويقول -سبحانه-: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78). وهكذا لو تدبر المعاند، للحظة وآمن بقضيتين:

– الأولى: أن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء.

– والثانية: أن الله هو الذي بدأ الخلق، فهو يعيده.

     وبالتجرد عن الهوى يتوصل إلى الإيمان بالبعثة كما أخبر الله، ومن أبى الإيمان، وأوغل في الجحود والنكران، تحداه الله كما في الآيات من سورة الإسراء. {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} (الإسراء:49-52).

ففي هذه الآيات تحد لمن ينكر البعث، وفي التفسير:

وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا بعد الموت، قال مجاهد: ترابا، وقيل: حطاما. والرفات: كل ما يكسر ويبلى كالفتات والحطام.

      أإنا لمبعوثون خلقا جديدا. قل لهم يا محمد كونوا حجارة أو حديدا، في الشدة والقوة، وليس هذا بأمر إلزام بل هو أمر تعجيز، أي: استشعروا في قلوبكم أنكم حجارة أو حديد في القوة.

      أو خلقا مما يكبر في صدوركم، قيل السماء والأرض والجبال، وقال مجاهد وعكرمة وأكثر المفسرين: إنه الموت، فإنه ليس في نفس ابن آدم شيء أكبر من الموت، أي: ولو كنتم الموت بعينه لأميتنكم ولأبعثنكم، فسيقولون من يعيدنا؟ من يبعثنا بعد الموت؟ قل الذي فطركم، أي خلقكم، أول مرة، ومن قدر على الإنشاء قدر على الإعادة، فسينغضون إليك رؤوسهم، أي: يحركونها إذا قلت لهم ذلك مستهزئين بها، ويقولون متى هو؟ أي: البعث والقيامة، قل عسى أن يكون قريبا، أي: هو قريب؛ لأن عسى من الله واجب، نظيره قوله -تعالى-: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (الأحزاب:63).

– لا إله إلا الله، حقا إذا دخل الكبر والعناد والهوى قلب الإنسان وتمكن منه، لا يرى الحق، وإن كان كالشمس في رابعة النهار!

كنت وصاحبي (أبو عبدالله) في جولة، نريد قضاء بعض حاجات المنزل، وصلنا إلى مركز التسوق الذي نريد، أدينا صلاة الظهر، ولم نمكث سوى نصف ساعة، ورجعنا إلى مركبتنا.

– ليتك تزيدنا من التعليق على هذه الآيات من سورة الإسراء.

– دعني أرى ما يمكن إيجاده في الهاتف.

قال الطبري: أي إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاما ولحما فكونوا أنتم حجارة أو حديدا إن قدرتم، وقال علي بن عيسى: معناه أنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا الله -عز وجل- إذا أرادكم، إلا أنه خرج مخرج الأمر؛ لأنه أبلغ في الإلزام، وقيل: معناه لو كنتم حجارة أو حديدا لأعادكم كما بدأكم، ولأماتكم ثم أحياكم.

      وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث؛ فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم، فلو كنتم حجارة أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة. قال سعيد بن جبير: يخرج الكفار من قبورهم وهم يقولون سبحانك وبحمدك، ولكن لا ينفعهم اعتراف ذلك اليوم. وقال ابن عباس: «بحمده» بأمره، أي تقرون بأنه خالقكم، وقال قتادة: بمعرفته وطاعته. وقيل: المعنى بقدرته، وقيل: بدعائه إياكم، قال علماؤنا: وهو الصحيح، فإن النفخ في الصور إنما هو سبب لخروج أهل القبور، والحقيقة إنما هو خروج الخلق بدعوة الحق، قال الله -تعالى-: {يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده} فيقومون يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك.

      {وتظنون إن لبثتم إلا قليلا} يعني بين النفختين، وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين النفختين، وذلك أربعون عاما فينامون، فذلك قوله -تعالى-: {من بعثنا من مرقدنا} فيكون خاصا للكفار، وقال مجاهد: للكافرين هجعة قبل يوم القيامة يجدون فيها طعم النوم، فإذا صيح بأهل القبور قاموا مذعورين، وقال قتادة: المعنى أن الدنيا تحاقرت في أعينهم وقلت حين رأوا يوم القيامة، الحسن: {وتظنون إن لبثم إلا قليلا} في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة.

      {تظنون} معناها توقنون في هذا الموضوع وما شابهه في كتاب الله مثل قوله -تعالى-: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} (الكهف:53).