مازلنا في الحديث عن المبالغة في حب النبي صلى الله عليه وسلم، وقلنا في تفسير قوله تعالى{ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } أنه سبحانه وتعالى أراد أن ينبه النبي صلى الله عليه وسلم عما يراد به من أمر النبوة، وأنه لم يكن يدري القرآن ولا الشرائع فهداه الله تعالى لذلك صلى الله عليه وسلم.
– والغفلة: انتفاء العلم لعدم توجه الذهن إلى المعلوم، والمعنى المقصود من الغفلة ظاهر، وسبب جعله من الغافلين دون أن يوصف وحده بالغفلة، للإشارة إلى تفضيله بالقرآن على كل من لم ينتفع بالقرآن؛ فدخل في هذا الفضل أصحابه والمسلمون على تفاوت مراتبهم في العلم.
ومفهوم من قبله مقصود منه التعريض بالمشركين المعرضين عن هدى القرآن.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا؛ فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلا والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً؛ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به»، أي المشركين الذين مثلهم كمثل من لا يرفع رأسه لينظر.
وما ذكره هنا من أنه لم يكن يعلم هذه الأمور حتى علمه إياها بأن أوحى إليه هذا النور العظيم الذي هو كتاب الله -جاء في غير هذا الموضع كقوله -تعالى-: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم} الآية.
فقوله في آية (يوسف): وإن كنت من قبله لمن الغافلين، كقوله هنا: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، وقوله -تعالى-: {ووجدك ضالا فهدى} على أصح التفسيرات كما قدمناه في سورة (الشعراء) في الكلام على قوله -تعالى: {قال فعلتها إذا وأنا من الضالين}، وقوله -تعالى-: {وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما}.
{ولا تكن من الغافلين}؛ فإنه يقول: ولا تكن من اللاهين إذا قرئ القرآن عن عظاته وعبره، وما فيه من عجائبه، ولكن تدبر ذلك وتفهمه، وأشعره قلبك بذكر الله، وخضوع له، وخوف من قدرة الله عليك إن أنت غفلت عن ذلك.
ولا تكن من الغافلين على التحذير من الغفلة عن ذكر الله ولاحد للغفلة؛ فإنها تحدد بحال الرسول[ وهو أعلم بنفسه؛ فإن له أوقاتا يتلقى فيها الوحي، وأوقات شؤون جبلية كالطعام، وكل ما خوطب به الرسول -عليه الصلاة والسلام- يستحسن للأمة اقتداؤهم به فيه، إلا ما نهوا عنه، مثل الوصال في الصوم.
وقد تقدم أن نحو ولا تكن من الغافلين أشد من الانتفاء، وفي النهي من نحو: ولا تغفل؛ لأنه يفرض جماعة يحق عليهم وصف الغافلين؛ فيحذر من أن يكون في زمرتهم، وذلك أبين للحالة المنهي عنها.