انتقلت للسكن في منطقة جديدة، معظم المصلين في مسجدنا الجديد من العمالة السورية والمصرية والبنغال، والقلة من أهل البلد، بعد قراءة قصيرة في (فتاوى الإسلام) للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- وذلك بعد صلاة العصر، وكان موضوعنا عن صفة (استواء الله -سبحانه وتعالى- على العرش)، صاحبني في طريقي إلى مركبتي اثنان بعد التحية -تبين أنهما من مصر- عرفاني بنفسيهما.

– نحن منذ نعومة أظفارنا تعلمنا أن الله في كل مكان، وتربينا على ألا نخطئ ولا نرتكب ذنبا؛ لأن الله يرانا، ولا نتحدث بكذب؛ لأن الله يسمعنا، وموضوع اليوم (أن الله مستو على عرشه فوق سبع سموات بائن عن خلقه)، سبب لنا بعض اللبس.

ابتسمت لهما.

– نعم لقد تربى كثير منا على أن الله في كل مكان، ولكن لنتابع السبب في تربية الأبناء على هذه العقيدة (لا تكذب لأن الله يسمعك) و(لا تذنب لأن الله يراك)، إذاً الله بسمعه في كل مكان؛ فهو يسمع كل شيء، الهمس والسر والجهر كله سواء عنده، وقد قال -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (المجادلة:8).

وفي بداية هذه السورة (المجادلة) يقول -تعالى-: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (المجادلة:1)، عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: «الحمدلله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول والله يسمعها من فوق سبع سموات» والمجادلة اسمها خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت، واسمع قول الله -تعالى-: {ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (المجادلة:7)؛ فالله مع الجميع وفي كل مكان بعلمه وسمعه وبصره، وليس بذاته! وهذا ما تدل عليه آيات الكتاب جميعها التي تخبر عن (معية الله) للجميع مثل قوله -تعالى-: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (التوبة:78).

وقوله -تعالى-: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (الزخرف:80).

كان (حسن) و(محمد)، المقاولان المصريان يستمعان باهتمام.

علق (أبو أحمد).

– لا نسمع مثل هذا الكلام كثيرا، في مساجدنا.

بل هذا الكلام لا يقال في معظم مساجد المسلمين، بعضهم يرى أنه لا حاجة لعامة الناس بمثل هذه الأمور، والأهم أن يتعلم الناس العبادات والأخلاق، وبعضهم الآخر يرى عدم الحديث في قضايا العقيدة كلها؛ لأن معظم الناس لا يفهمها، وبصراحة أنا أختلف مع الرأيين، وأرى أن مواضيع العقيدة يجب أن يعلمها المسلمين جميعهم، وهكذا كان النبي [ يعلم الناس جميعا العربي والأعجمي والصغار والكبار والحاضر والبادي، بكلمات سهلة مفهومة للجميع.

سألني حسن بعد تردد.

– وهل يجوز لنا أن نسأل (أين الله)؟

– ولماذا ترددت وكأنك محرج أن تسأل هذا السؤال؟

– بصراحة لا أدري، ربما لأننا تربينا ألا نسأل عن شيء يتعلق بالله؛ فهو أعظم من أن ندركه، أن نفهم ما يتعلق به، أو نعقل شيئا يختص به.

– هذه الأسباب بعضها صحيح وبعضها خطأ، نعم الله -سبحانه وتعالى- أعظم من أن تدركه عقولنا ولكنه -سبحانه وتعالى- خلقنا وأرسل إلينا رسولا -[- وأنزل عليه كتابا من عنده، وأعلمنا في كتابه وعن طريق رسوله -[- أسماء له، وصفات له، -سبحانه وتعالى- وأراد منا أن نعرف هذه الأسماء والصفات، فهو -سبحانه- الذي يخبرنا عن أسمائه وصفاته، وليس لأحد أن يؤلف أسماء لله، ولا أن يبتكر صفات لله؛ لأنه إن فعل ضلّ؛ فكل ما يتعلق بالله، نعرفه من القرآن والسنة ولا نجتهد بعقولنا في معرفته.