في صغرنا كنا نقول: الله في كل مكان، ولم نكن نفهم معنى هذه الكلمة، تلقيناها من بعض مدرسي التربية الإسلامية، والآن وقد درسنا العقيدة الصحيحة التي كان عليها الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، عرفنا كم كان الجهل منتشراً في مجتمعاتنا المسلمة!؛ فقد كان مقبولا أن نتبرك بقبر، أو أثر الخضر الذي نصبت له قبة في إحدى جزرنا، وكان مقبولاً أن نربط الخرق الخضراء في أيدينا لحفظ الصغار وشفاء المرضى.

– وما أهمية معرفة أين الله؟ طالما المرء يراقب الله في تصرفاته ويلتزم شرع الله في تعاملاته.

هكذا بدأ حواري مع صديقي السوري الذي نزح إلى لبنان بعد الأحداث الدامية.

– قبل أن أجيبك أظن أنه ينبغي أن نرجع خطوة إلى الوراء في نقاشنا.

     لقد ارتضى الله -سبحانه وتعالى- لنفسه أسماء وصفات وصفها بأنها (الأسماء الحسنى) كما في قوله -تعالى -: {وَلِلَّهِ  الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ  فَادْعُوهُ  بِهَا  ۖ وَذَرُوا  الَّذِينَ  يُلْحِدُونَ  فِي  أَسْمَائِهِ ۚ  سَيُجْزَوْنَ  مَا  كَانُوا  يَعْمَلُونَ} (الأعراف: 180) ،  و{ قُلِ  ادْعُوا  اللَّهَ  أَوِ  ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا}(الإسراء: 110)، و {اللَّهُ  لَا  إِلَٰهَ  إِلَّا  هُوَ  ۖ  لَهُ  الْأَسْمَاءُ  الْحُسْنَىٰ} (طه: 8) ،  و  {  هُوَ  اللَّهُ    الْخَالِقُ    الْبَارِئُ   الْمُصَوِّرُ   ۖ لَهُ    الْأَسْمَاءُ   الْحُسْنَىٰ   ۚ يُسَبِّحُ   لَهُ   مَا   فِي   السَّمَاوَاتِ   وَالْأَرْضِ ۖ   وَهُوَ   الْعَزِيزُ   الْحَكِيمُ}   (الحشر: 24).

     ولو اجتمع الخلق جميعهم إنسهم وجنهم ليضعوا لله أسماء تليق به، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وأعلمنا الله -سبحانه- بأسمائه، وأمرنا أن نتعبده بها، وكذلك ذكر الله لنا شيئاً من صفاته في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذه الأسماء والصفات لله -عز وجل- تعرف العبد بربه، وهذا العلم -أعني علم الأسماء والصفات- أشرف علم على الإطلاق؛ لأنه يتعلق بالله -سبحانه وتعالى- وإذا عرف العبد ربه كما يريد -سبحانه وتعالى-؛ فإنه يحقق أعظم عبادة، ويصلح بهذا العلم أعماله الدينية والدنيوية جميعها.

علق (أبو زياد).

– أتفق معك في كل هذا، والآن أجب عن سؤالي، ما أهمية أن نعرف الإجابة عن أين الله؟

– ستأتيك الإجابة إن شاء الله، دعني أكمل هذه المقدمة، وصفات الله -عز وجل- كأسمائه تليق بجلاله، ولا تشبه صفات المخلوقين في شيء وإن اتحد اللفظ؛ فمثلا من أسماء الله -سبحانه- (القوي)، ويمكن أن تصف مخلوقاً بأنه (قوي)، ولكن قوة الله تليق بجلاله، وقوة المخلوق تناسب خلقه؛ فاللفظ واحد، ولكن الفرق بين اللفظين كالفرق بين الرب والعبد. وهكذا في أسماء الله -سبحانه- وصفاته جميعها.

– جميل، تابع.

– والآن لنتحدث عن سؤالك أهمية معرفة أين الله؟

– أولاً: لأن الله أخبرنا عن هذه الإجابة وأعلمنا بها، وأراد -سبحانه- أن نعرف هذه الصفة له -سبحانه- فلا ينبغي لنا أن ننكر صفة أثبتها الله لنفسه، وأراد منا أن نعلمها.

– ثانياً: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل هذا السؤال وأجاب عنه، وهو أعلم الخلق بالله -سبحانه وتعالى- فهل نأتي نحن ونقول: إنه لا يجوز أن نسأل هذا السؤال، ولا ينبغي لنا أن نخوض في الإجابة عنه؟

– ثالثاً: صفة العلو والفوقية لله -عز وجل- صفة كمال ينبغي أن نثبتها وفق القاعدة العامة للأسماء والصفات {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.