في رحلة قصيرة إلى تونس للمشاركة في مؤتمر علمي، صاحبني زميلي (عبدالوهاب)، كان لكل منا ورقة علمية، بعد دراسة خيارات الطيران كافة قررنا السفر على (مصر للطيران).
من الأمور التي تساعد على سرعة مرور الوقت في الرحلات الطويلة النقاش والحوار في قضايا تهم الطرفين.
سألني صاحبي:
– لماذا كتب العقيدة معقدة؟ وكأن الكلمتين أصلهما واحد (ع ق د).
– ولماذا تقول هذا الكلام؟ وكيف توصلت إلى هذه النتيجة؟
– من واقع تجربتي، مثلا كتب ابن تيمية عندما يرد على الفرق الأخرى والفلاسفة وأهل الكلام أحاول التركيز في محاورته لهم، وأقرأ صفحات وصفحات، فأمل وأشعر أني تهت وفقدت نقاط النقاش، فأترك الموضوع.
– هل أنت من أهل الاختصاص في العقيدة، ومن علماء أصول الاعتقاد أم من عامة الناس؟
– بل من عامة الناس في العقيدة.
– إذاً اقرأ ما يهم العامة، ولا تقرأ لنقاشات أهل الاختصاص، فقضايا العقيدة المطلوبة من عامة الناس بسيطة وسهلة ميسرة؛ وذلك لأنها أصل الدين الذي يجب أن يؤمن به الجميع، القارئ والأمي، الصغير والكبير، العامل والعالم؛ لذلك تجد القواعد العامة في قضايا العقيدة بسيطة وسهلة، مثلا قضايا التوحيد، توحيد العبادة وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.
قاطعني:
– أثبت لي أن توحيد الأسماء والصفات قضية سهلة.
– لك ذلك.
قطع حديثنا مضيف الطائرة يسأل عن رغباتنا في الوجبات والمشروبات، انتهينا منه، تابعت حديثي:
– في توحيد الأسماء والصفات، نؤمن بأن لله أسماء وصفها -سبحانه- بأنها حسنى، فقال -سبحانه-: {ولله الأسماء الحسنى}، وهذه الأسماء يوجد منها شيء في القرآن وشيء في السنة النبوية الصحيحة، فنؤمن بكل اسم لله -عز وجل- ثبت في القرآن أو السنة، ولاننكر شيئا من أسمائه.
– هل هي تسعة وتسعون اسما؟
– بل هي أكثر من ذلك، أعلمنا الله جزءا منها، ولم يعلمنا بأسماء أخرى، ولكن هذه الأسماء كلها ثابتة لله بمعانيها، وكلها حسنى ارتضاها الله لنفسه -سبحانه- وأعلمنا بها، فينبغي أن نتعلم هذه الأسماء ومعانيها وندعو الله بها.
– وماذا عن صفات الله -عز وجل؟
– إن لله -عز وجل- صفات تليق به -سبحانه- لا تشبه صفات المخلوقين، والفرق بين صفات الله -عز وجل- وصفات المخلوقين كالفرق بين الذات والذات: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، وهذه الصفات نؤمن بها لله -عز وجل- نثبتها، كما وردت في كتاب الله أو سنة النبي -صلى اله عليه وسلم – الصحيحة، ويضع العلماء هنا قاعدة سهلة بسيطة وهي: صفات الله نثبتها دون تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل)، ولن نعرف كيفية الصفات كما لا نعرف كيفية الذات، فلا نسأل (كيف؟) في صفات الله، بل نعرف المعنى ونثبته وننزه الله عن مشابهة أي شيء.
– كلام جميل، يحتاج إلى أمثلة.
– مثلا صفة (حب الله للمؤمنين)، نقول إن الله -سبحانه- يحب فئات من خلقه، كما أخبر -سبحانه وتعالى- في محكم تنزيله:
{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة:195).
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة:222).
{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (آل عمران:76).
{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159).
{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (المائدة:13).
{إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (المائدة:42).
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (الصف:4).
وآيات أخرى وأحاديث أخرى كثيرة، و(الحب) معروف وهو في حق الله (حب) يليق بجلاله لا يشبه حب المخلوقين، ولا ينبغي أن (نكيّف) حب الله لبعض خلقه وبعض الأعمال، بأنه (ميلان القلب وبهجته)؛ لأن هذا حب المخلوق وليس حب الله -عز وجل.
– إذاً كيف يكون حب الله؟