كنت وصاحبي نتحاور في طريقنا لعيادة أحد رواد مسجدنا أدخل إلى المشفى لآلام طارئة في صدره، واتضح أنها جلطة صغيرة تستوجب عمل قسطرة.

تابع صاحبي كلامه.

-ولماذا يتجرأ أحد على الله فيتكلم في صفات الله -عز وجل- بكلام لم يقله الله -عز وجل-، ولم يخبرنا به رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، هذا سوء أدب مع الله، ويناقض المنطق والعقل السليم.

– أحسنت يا (أبا ناصر)، ومما ينبغي بيانه في هاتين الصفتين أعني (الرضى والسخط)، أن الرضا صفة ذاتية لله -عز وجل- والسخط صفة طارئة، بمعنى أن سخط الله وغضب الله يكون لعمل طارئ، ولفئة معينة محددة، أما رضى الله -عز وجل- فهي صفة لذاته -سبحانه- كالعلم والحياة والقدرة، فالرضى أحب إليه من السخط والرحمة سبقت الغضب، والعفو يغلب الانتقام، وهكذا، ولا نساوي بين (الرضى والسخط)، مع أنهما صفتان لله -عز وجل.

قاطعني صاحبي.

– هذا كلام يحتاج إلى تركيز هل لك أن تعيده.

– دعني أذكر لك كلام العلماء في هذا الأمر.

قال ابن تيمية: «صفاته -تعالى- من الرضا والرحمة صفتان ذاتيتان فلا منتهى لرضاه، وأن سخطه وعذابه ليسا من صفات ذاته التي يستحيل انعكافه عنها كعلمه وحياته، والعفو أحب إليه من الانتقام، والرحمة أحب إليه من العقوبة، والرضى أحب إليه من الغضب، والفضل أحب إليه من العدل، ثم إن النعيم والثواب من متقضى رحمته ومغفرته وبره وكرمه؛ ولذلك يضيف ما ذكر إلى نفسه، وأما العذاب والعقاب فإنهما من مخلوقاته؛ ولذلك لا يسمى بالمعذب والمعاقب، بل يفرق بينهما فيجعل هذا من أوصافه وهذا من مفعولاته من الآية الواحدة كقوله -تعالى-: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} (الحجر:49-50)، وقال: {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} (الأعراف:167)، ومثلها في آخر الأنعام، فما كان من مقتضى أسمائه وصفاته فإنه يدوم بدوامها ولا سيما إذا كان محبوبا له في أسمائه وصفاته، وأما الشر وهو العذاب فلا يدخل في أسمائه وصفاته، وإن دخل في مفعولاته لحكمة إذا حصلت زال وفني بخلاف الخير فإنه -سبحانه- دائم المعروف ولا ينقطع معروفه أبدا على الدوام، وليس من موجب أسمائه وصفاته أنه لم يزل معاقبا على الدوام غضبان على الدوام، فتأمل هذا تأمل فقيه في أسماء الله، فإنه يتضح لك باب من أبواب معرفته ومحبته».

فإذا زالت هذه الأمور.. زال غضبه وانتفى، وإذا ذهبت أسباب سخطه ذهب سخطه وانتفى.

– نعم هذه الخلاصة في هاتين الصفتين لله -عز وجل-، وهذه القاعدة يمكن أن تطبق على غضب الله، وانتقام الله، فإنه لا ينتقم إلا من المجرمين، وسخط الله، وعذاب الله، فإنها من أفعاله -سبحانه-، تكون لأمر محدود، أو فئة محدودة أو زمن محدود.

– أظن أن الأمر واضح بارك الله فيك.