استكمالاً لما بدأنا الحديث عنه من رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة نقول: روى صهيب بن سنان الرومي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدا لم تروه؛ فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويزحزحنا عن النار، ويدخلنا الجنة؟ قال: فيكشف الحجاب فينظرون إليه، قال: فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، ثم تلا: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}(رواه مسلم)، وقال أحمد بن حنبل: من قال: إن الله لا يرى في الآخرة؛ فهو كافر»، هذا حكم المنكر من حيث الإطلاق؛ لأنه أنكر أمرا تضافرت عليه الأدلة، وتكاثرت فيه النصوص، وأجمع عليه سلف الأمة، لكن إن أتى بمعين ينكر الرؤية ابتداء لا يكفر، بل تزال عنه الشبهة، ولاسيما وأن رؤوس أهل البدع شبهوا على الناس وكتبوا كتبا وأتوا بتلبيسات كثيرة.
وأما النعيم الأعظم الذي لا يُدانى والشرف الذي لا يبارى؛ فهو رؤية المؤمنين ربهم -تبارك وتعالى-؛ فلطالما عبدوه في الدنيا ولم يروه؛ فيتجلى لهم الله يوم القيامة منة وتفضلا وإحسانا: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}(القيامة: 22-23).
– والإيمان بهذه القضية، أعني رؤية أهل الجنة الله يوم القيامة، وأنها أعظم نعمة يتنعم بها المؤمنون، تدفع المؤمن أن يقبل على دراسة أسماء الله وصفاته، ويزداد شوقا للقاء الله والنظر إليه -سبحانه-؛ فهو من أعظم أسباب العمل في طاعة الله؛ ولذلك قال بعض أهل العلم: إنه من أنكر رؤية الله يوم القيامة حرمها، ونقل عن ابن المبارك أنه قال: نحن نحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نقدر أن نحكي كلام الجهمية (طائفة تنكر رؤية الله يوم القيامة)، ولا يحتاج العبد أن يدخل في نقاش فلسفي للإيمان بهذه القضية؛ فقد جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم لأعراب لا يقرؤون ولا يكتبون، يسألونه: هل نرى ربنا؟ فأجابهم بالإثبات والتأكيد بأنهم سيرونه كما يرون البدر في ليلة صافية لا سحاب فيها؛ فأين الصعوبة في هذه القضية؟ ولم التعقيد والفلسفة التي لا طائل من ورائها؟ وهكذا جميع قضايا الاعتقاد أدخل عليها الفلاسفة وعلماء الكلام قضايا، حتى ظن الناس أنها أمور صعبة معقدة، لا يمكن أن يفهمها إلا أهل الاختصاص.
– علق مصطفى (أبو زياد).
– هذه أول مرة أسمع فيها هذا الكلام، وبالفعل كنا دائماً نسمع أن قضايا العقيدة صعبة، وتحتاج إلى دراسة واختصاص، ولو كنت سألتني قبل مجلسنا هذا (هل نرى ربنا؟)، لكانت إجابتي (لا أدري). بصراحة أشعر أنني مقصر تجاه إيماني بربي رغم حرصي على الصلاة والصيام، والواجب والنافلة، ولكنني لا أعلم شيئاً عن صفات الله، ومعاني الآيات التي فيها ذكر صفات الله؛ فقد تربينا على عدم الخوص في هذه الآيات، وعدم السؤال عن معانيها، حتى إن أحدنا يخاف أن يعتقد شيئاً في الله؛ فيكون مخطئاً؛ لذلك نفضل دائماً أن نقول: لا أدري على كل سؤال يتعلق بصفات الله -عز وجل.
– هذا -مع الأسف- حال غالب عامة المسلمين، أخافوهم من معرفة صفات الله -سبحانه- وأسمائه، وجعلوها لأهل الاختصاص فقط، مع أنها أهم ما يمكن أن يتقرب به العبد لربه؛ فيحب الله ويشتاق إلى لقائه، ويخافه، ويرجو رحمته، ويتجنب عذابه، مع أن القرآن أنُزل على أناس بسطاء فآمنوا بما جاء فيه، ولم يكن منهم من درس الفلسفة أو تخصص بعلم الكلام.
نسأل الله أن يوفق المسلمين لما يحب ويرضى.