استكمالاً لما بدأناه في الحديث عن قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه نقول: وبعثت إلى النصارى، فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال: فأخبروني بهم، فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذوني بهم، فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة، قال: فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك، أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك، قال: فادخل، فدخلت معه، قال: فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، قال: فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا؛ فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه ثم رجموه بالحجارة، ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه بمكانه، قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا، ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهاراً منه، قال: فأحببته حبا لم أحبه من قبله وأقمت معه زمانا، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني كنت معك، وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني! والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه؛ لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه، إلا رجلا بالموصل وهو فلان، فهو على ما كنت عليه فالحق به، قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره، قال: فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده؛ فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من الله -عز وجل- ما ترى فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين، وهو فلان فالحق به.
تابعت حديثي مع صاحبي، وقد وصلنا إلى منزل أخي؛ حيث عرض علينا البقاء إلى العشاء في ديوانه، قبلنا الدعوة.
– يتابع سلمان الفارسي قصته فيقول:
فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين، فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي، قال: فأقم عندي فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه؛ فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضر قلت له: يا فلان إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه بمثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته، قال: فإنه على أمرنا قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري؛ فقال: أقم عندي فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة قال: ثم نزل به أمر الله فلما حضر قلت له: يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين، بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة؛ فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.
يتبع إن شاء الله.