في طريق عودتنا من مجلس العزاء، وكنا أربعة نفر في مركبة أخي، تابعت حديثي مع صديق أخي.
– دعني أذكر لك قصة سلمان الفارسي، هذا الصحابي الجليل الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم .
– قاطعني.
– سلمان من أهل البيت؟
ابتسمت لسرعة إجابته.
– هذا الحديث مشهور، ولكنه لا يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو (ضعيف جدا) في حكم العلامة الألباني -رحمه الله- ولكنه يثبت موقوفا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
استغرب صاحبي هذه المعلومة.
– لا أكاد أحضر مجلسا إلا ذكره العلماء في الدروس والمواعظ.
– هذه طامة أخرى أن يكون من يتصدر المجالس لا يعرفون الحديث الصحيح من الضعيف جداً.
– لنرجع إلى موضوعنا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم في سلمان حديثا أفضل من هذا، وهو حديث صحيح: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ نزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: {وآخرين منهم لم يلحقوا بهم}، قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سألته مرة أو مرتين أو ثلاثا، قال: وفينا سلمان الفارسي؟ قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: «لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجل من هؤلاء» يعني سلمان الفارسي. (صحيح)، وقد صح بلفظ آخر وهو: «لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس، أو قال: من أبناء فارس حتى يتناوله» أخرجه مسلم وأحمد، وله طرق أخرى، عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}، قال: يارسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: فضرب بيده على كتف سلمان الفارسيرضي الله عنه ثم قال: «هذا وقومه»، وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رأيت غنما كثيرة سوداء دخلت فيها غنم كثيرة بيض، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: «العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم»، قالوا: العجم يا رسول الله؟ قال: «لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم وأسعدهم به الناس» (صحيح)، وأما الشطر الثاني من الحديث فهو في الصحيحين وغيرهما.
– حديث جميل وصحيح، ومفخرة لكل العجم.
– دعني أبين لك أن العجم لا تعني الإيرانيين، بل كل من لا يتكلم العربية، ولكن في هذا الحديث مدح لسلمان وقومه، ونعلم أنه كان فارسياً.
– وما قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه؟
– قصة سلمان رضي الله عنه تصلح إجابة عن سؤالك: لماذا يغير المرء عقيدته؟
خذ القصة من سلمان نفسه:
كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان، من أهل قرية يقال لها: (جي)، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته، أي ملازم النار كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال: فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي؛ فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد؛ فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم، دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، قال: فلما جئته قال: أي بني، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله مازلت عندهم حتى غربت الشمس، قال: أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك وأجدادك خير منه، قال: قلت: كلا والله إنه خير من ديننا، قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني بيته