أستمتع لسماع الأطفال يقرؤون القرآن ويجتهدون في ترديد قصار السور، وأعرف بعض من بلغ الأربعين وهو لا يحفظ عشر سور كاملة من قصار السور، أو ربما كان يحفظها ونسيها:

{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ (9)} (الهمزة)

– ما الفرق بين (الهمزة) و(اللمزة)؟

– (الهمز) بالإشارة، و(اللمز) باللسان، وقالوا (الهمز) العيب صراحة، واللمز بالسر بالعين واللسان، وعن ابن عباس: هم المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الناعتون للناس بالعيب.

– وما علاقة هاتين الصفتين الذميمتين، (بجمع المال)؟

هذه صفة أخرى ذميمة، مثل قول الله تعالى: {ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم}.

فهذه صفة ثالثة مذمومة، لذلك الذي اتصف بالهمز واللمز، ومن شغفه بالمال، يستمتع بتكرار عد المال!

كنت وصاحبي في رحلة قصيرة إلى الخفجي (المدينة السعودية الحدودية مع الكويت) لزيارة أخ لنا على أن نرجع في اليوم نفسه.

– في هذه الآيات تنبيه إلى سوء عاقبة الأخلاق الذميمة، وهنا نوعان من الأخلاق السيئة: الأول فيه حق لعباد الله، والثاني حق للمال، والأول أشد؛ لذا سبقه بـ(الويل).

– بل أظن أن الثاني ليس أقل منه، وذلك أن الداعي للحرص على المال: {يحسب أن ماله أخلده}، وهذه عقيدة باطلة، فهذا أصبح في غفلة تامة عن الآخرة، ونسي الموت والحساب، وهذا حال ابن آدم كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم : «يقول ابن آدم: مالي مالي وإن ماله من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فاقتنى وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس)، مسلم وفي رواية أخرى «وهل لك يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت» مسلم.

– أحسنت يا أبا خالد.

– وهذه الأخلاق الذميمة هي أكثر ما يدخل العبد النار، وإن كان من أهل الصلاة، إذا غلبت سيئاته حسناته ولم يغفر الله له، بل بيّن الله شدة عذابه؛ لأنه سيكون في (الحطمة)، وهي من أسماء النار، أو إحدى دركات النار؛ حيث يحطم بعضها بعضا، وزيادة في العذاب، تصل إلى الأفئدة وليست سطحية بل مغلقة عليهم إغلاقا محكما، (في عمد ممدة).

     وقوله تعالى: {وما أدراك ما الحطمة} وهذ الصيغة للتعظيم والتفخيم {نار الله الموقدة} هذا الجواب، وأضافها الله -سبحانه وتعالى- إلى نفسه. أي نار يحرق الله بها من يستحق أن يعذب بها، وتأمل قوله: {الحطمة} مع فعل هذا الفاعل {همزة لمزة} حطمة، وهمزة لمزة، على وزن واحد ليكون الجزء مطابقا للعمل حتى في اللفظ: {نار الله الموقدة} أي: المسجرة المسعرة {التي تطلع على الأفئدة} والأفئدة جمع فؤاد وهو القلب، والمعنى: أنها تصل إلى القلوب، والعياذ بالله، من شدة حرارتها، مع أن القلوب مكنونة في الصدور وبينها وبين الجلد الظاهر ما بينها من الطبقات لكن مع ذلك تصل هذه النار إلى الأفئدة.

     {إنها عليهم} أي: الحطمة وهي نار الله الموقدة أي على الهماز واللماز الجماع للمال المناع للخير، وأعاد الضمير بلفظ الجمع مع أن المرجع مفرد باعتبار المعنى؛ لأن {لكل همزة} عام يشمل جميع الهمازين وجميع اللمازين، {مؤصدة} أي: مغلقة، مغلقة الأبواب لا يرجى لهم خروج والعياذ بالله.

     تأمل الآن لو أن إنسانا كان في حجرة أو في سيارة اتقدت النيران فيها، وليس له مهرب، الأبواب مغلقة ماذا يكون؟ في حسرة عظيمة لا يمكن أن يماثلها حسرة فهم -والعياذ بالله- هكذا في النار، النار عليهم مؤصدة {في عمد ممدة} أي: إن هذه النار مؤصدة، وعليهم أعمدة ممدة أي ممدودة على جميع النواحي والزوايا حتى لا يتمكن أحد من فتحها أو الخروج منها. (تفسير ابن عثيمين).

وللتأكيد، فإن هذا العذاب للكافر وليس للمسلم الذي مات على التوحيد، وذكر بعض أخلاق الكفار مع بيان مصيرهم لتحفيز المسلم ألا يتصف بها.