في أول اتصال هاتفي بعد رجوع صاحبي من رحلة الصيف التي أمتدت لشهرين، بعد السؤال والسلام.
– لقد تابعت سلسلتك الجديدة: (العقيدة في السور القصيرة)، ولم أجد فيها قضايا في العقيدة كثيرة، بل كانت أقرب إلى التفسير المعتاد.
أوافقك الرأي، وذلك أن قراءتي لتفسير هذه السور من مراجع عدة جرفني بعيدا عن قضايا العقيدة التي أردت أن أذكرها في قصار السور، وسوف أرجع إليها -إن شاء الله-.
وبالفعل، راجعت ما كتبت من قبل فيه الكثير من التفسير والقليل من قضايا العقيدة، فأعدت كتابة المقالات بعيدا عن التفسير.
السورة، يقول تبارك وتعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) ۞ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11)} (العاديات).
من قضايا الاعتقاد التي وردت في هذه السورة:
لله أن يقسم بما شاء من خلقه فقد أقسم هنا بالخيل حال عدوها الشديد في الإغارة على أعداء الله، وليس لأي مخلوق أن يقسم بغير الله أو أسمائه أو صفاته سبحانه وتعالى، ففي الحديث «أن رجلا أتى عبدالله بن عمر فقال: احلف بالكعبة؟ فقال له: لا ولكن أحلف برب الكعبة، فإن عمر كان يحلف بأبيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلف بأبيك فإنه من حلف بغير الله فقد أشرك» صحيح، قال الطحاوي لم يرد به الشرك الذي يخرج من الإسلام ولكنه أراد أنه لا ينبغي أن يحلف بغير الله تعالى، لأنه إن فعل أشرك شركا غير الشرك الذي يكون به كافرا بالله تعالى خارجا عن الإسلام.
ومن قضايا الاعتقاد أيضا أن الإنسان إن لم يوطن نفسه على نعمة الله عليه ويرجع كل ما فيه من خير ابتداء من حياته، ونفسه وحركته وطعامه وكل شيء، فإنه يجحد نعمة الله عليه وينكرها، ويرجع ما تحصل عليه في الدنيا إلى نفسه، كما قال: «قارون إنما أوتيته على علم عندي»، القصص وسبب ذلك حب الإنسان الشديد للمال كما الحديث في صحيح مسلم: «يقول ابن آدم مالي مالي»، وفي الحديث الآخر، لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأبتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب» الصحيحة.
– ومن قضايا الاعتقاد اليقين الدائم بالآخرة، وآخرة كل أحد تكون بالموت لذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على زيارة القبور، لأنها تذكر بالآخرة، وفي القيامة الكبرى يبعثر ما في القبور، ويخرج كل أحد من قبره للقاء الله، والجميع سيجتمع في المحشر، سواء دفن تحت الأرض أم تناثرت أشلائه في الجو، أم تناولته الحيتان في البحر؛ الكل سيقف في المحشر، كل حسب حاله، ولكن الغالب سيخرج من القبور، وذلك أن النسبة العظمى من الناس يدفنون فكان حال الغالب، كأنه حال الجميع.
– ومن قضايا الاعتقاد أن أعمال القلوب أعظم من أعمال الجوارح، وإذا صلح ما في القلب صلح العمل كما في الحديث.
«إن في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح سائر جسده، وإذا فسدت فسد سائر جسده ألا وهي القلب» الصحيحة.
– وختم الله هذه السورة بذكر اسم من أسمائه الحسنى مؤكدا بحرف اللام (لخبير)، والخبير هو العليم بحقيقة الأمور؛ ولذلك تترتب هذه الأسماء في حق الله تعالى (العليم الخبير)، (الخبير البصير)، ولا يسبق أحد منها الآخر، بمعنى لا تأتي (الخبير العليم)، وذلك أن (الخبير) درجة أعلى في العلم من (العليم)، و(البصير) درجة أعلى من (الخبير)، وكلها تدل على كمال الله -عز وجل- ولكن لكل اسم موضعه.
فالله سبحانه وتعالى، يعلم حقيقة دوافع الإنسان في كل عمل يعمله، (إخلاصا، تقوى، ريادة، نفاقا، عادة)، وهذا العلم بحقيقة العمل هو الذي يترتب عليه الجزاء: (فالعليم) هو الذي يعلم ما عملت، بتفاصيله لا يخفى عليه شيء من عملك، و(الخبير) هو الذي يعلم (لماذا عملت) وحقيقة عملك، وعلى هذا يجازيك.
وفي ختام هذه السورة بهذا الاسم من الأسماء الحسنى (الخبير) تنبيه للخلق، أن يراقبوا نواياهم من أعمالهم؛ لأن الجزاء سيكون من (الخبير) سبحانه وتعالى.