سورة الضحى من السور التي يحفظها معظم الأحفاد إن لم يكن كلهم، ومن السور التي يفرح المصلون إن قرأتها في صلاة العشاء؛ لأن الصلاة تكون خفيفة بقراءتها.
– ما ترتيب نزول هذه السورة؟
– تحتل سورة الضحى المركز الحادي عشر من سورة القرآن حسب ترتيب النزول، ونزلت بعد فترة الإنقطاع الثانية لنزول الوحي.
– ماذا تعني (فترة الانقطاع الثانية)؟
– تعلم أن أول ما نزل من القرآن (اقرأ)، ثم (يا أيها المدثر)، ثم انقطع الوحي، أربعين يوما على حسب بعض الروايات، ثم نزلت سورة القلم والمزمل والمدثر والفاتح والمسد والتكوير والأعلى والليل والفجر، ثم انقطع الوحي لفترة، وخلال فترة الانقطاع الأولى لم يشعر الكفار بانقطاعه؛ وذلك لأن الأمر في بدايته، ثم بدأ النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأ القرآن ويصلي ويقوم به ليلا، ثم انقطع الوحي، لحكمة أرادها الله، فقال المشركون: «محمد قلاه ربه»، أي تركه بغضا، فنزلت (والضحى).
– إذاً هناك فرق بين ودعك وقلاك؟
– نعم التوديع، تحية مفارقة الأحبة، و(قلا) ودع مبغضا.
– دعونا نتحدث عن العقيدة في هذه السورة القصيرة:
أولا: أقسم الله بـ(الضحى والليل إذا سجى)، والقسم لا يجوز من الخلق إلا بالله، أو أحد أسمائه، أو صفاته، ولا يجوز الحلف بمخلوق مهما كان: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» صحيح وفي لفظ للإمام أحمد: «من حلف بشيء دون الله -تعالى- فقد أشرك»، وينبغي التنبيه هنا إلى ما قاله أبو جعفر الطحاوي: «لم يرد به الشرك الذي يخرج المرء من الإسلام حتى يكون به كافرا ولكنه أراد أنه لا ينبغي أن يحلف بغير الله -تعالى- لأنه من حلف بغير الله فقد جعل ما حلف به محلوفا به كما جعل الله -تعالى- محلوفا به»، ويعلق الألباني رحمه الله: «يعني والله أعلم أنه شرك لفظي وليس شركا اعتقاديا، والأول تحريمه من باب سد الذرائع والآخر محرم لذاته».
هذا في حق المخلوقين، أما في حق الله -عز وجل- فله -سبحانه- أن يحلف بما شاء، يحلف بذاته، (فلا وربك)، ويحلف بمخلوقاته (والضحى)، و(العاديات)، و(الشمس)، و(الليل)، وهكذا فهذا مما استأثر الله به لنفسه -سبحانه وتعالى- ونهى خلقه أن يفعلوه.
قوله سبحانه: {ووجدك ضالا فهدى}، أي كنت يا محمد – صلى الله عليه وسلم – قبل الرسالة لا تعلم شيئا، وكنت في حيرة من حال أهل الشرك في قومك فألهمك الله أن هذا باطل، وألقى في نفسك طلب الحق، فأكرمك الله بالوحي والهداية من عنده، وليس المراد بالضلال هنا اتباع الباطل، فإن من عقيدة أهل السنة أن الأنبياء معصومون من الإشراك قبل النبوءة.
وفي تفسير ابن عثيمين -رحمه الله-: «قوله (فهدى)، ولم يقل (فهداك) ليكون أشمل وأوسع؛ فهو قد هُدي -عليه الصلاة والسلام- وهدى الله به فهو هاد مهدي فالمعنى هداك وهدى بك».
ومن عقيدة أهل السنة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يعلم أنه سيوحى إليه، وأنه سيكون سيد الأولين والآخرين وخاتم النبيين، لم يكن يعلم ذلك، قبل الرسالة أي عاش أربعين سنة كما يعيش غيره من البشر، إلا أنه كان أمينا صادقا ذا خلق عظيم، حتى قبل النبوة، لم يقع في الرذائل، ولم يرتكب الفواحش، تزوج من خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- وأنجب منها، ومكث معها زوجا كباقي الأزواج خمس عشرة سنة، قبل أن يوحى إليه ويصبح رسولا من عند الله لقريش وللعرب وللناس كافة، فأصبح بالوحي مهديا هاديا، وبالفضل في ذلك لله سبحانه وتعالى، ولذلك يذكره الله نعمه، ويأمره بشكرها ذكرا وعملا.