السور المكية تميزت بالقصر وبالعناية بالرسول -صلى الله عليه وسلم -، وتثبيته، وشد أزره مع بداية الدعوة، وإثبات البعث والرد العنيف على المشركين مع التهديد والوعيد والدعوة إلى الأخلاق الحميدة، وإبطال عقائد المعاندين، وكثرة القسم لإثبات القضايا المقسم عليها ولفت الانتباه إلى هذه المخلوقات العظيمة.

ومن هذه السور سورة (الإنشراح) أو (الشرح).

– متى نزلت هذه السورة الجميلة، وكل القرآن كامل الجمال؟!

كنت وصاحبي نتمشى قبل المغرب بساعة على الرمال بمحاذاة الشاطئ، جنوب البلاد.

– نزلت هذه السورة بعد (الضحى)، وكلتاهما خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، في بيان نعم الله عليه، وتثبيته، وشد أزره مع بدايات الرسالة، بدأت بقوله: {ألم نشرح لك صدرك}، وهذا استفهام تقريري بمعنى: (لقد شرحنا لك صدرك)، أي جعلناك على يقين وسكون بال، وسعة حال. وأصل (الشرح) شق اللحم، و(الشريحة القطعة من اللحم رقيقة، لتكون أشهى، وفي المجاز السكون والطمأنينة والرضا، وكما نقول هذه الأيام (الراحة النفسية).

قاطعني:

– وهل للنبي -صلى الله عليه وسلم – وزر، حتى يضعه الله عنه -صلى الله عليه وسلم -؟

(الوزر) هنا بمعنى الحرج، والشدة، والكرب؛ مما سيلاقيه من إعراض قومه، وردهم لدعوته، وفي معنى (الوزر) أيضا الخطيئة والذنب، وهذا مثل قوله -سبحانه-: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} (الفتح:1-2)، وهذه من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم – وليس لأحد غيره.

– تعني مغفرة السابق واللاحق من الذنوب، ما تقدم وما تأخر، كله غفره الله -عز وجل-؟!

– نعم، وليس لأحد غيره -صلى الله عليه وسلم -، وبالطبع لا ينبغي أن نقيس كلمة (ذنوب) و(وزر) في حق النبي -صلى الله عليه وسلم – على ذنوبنا وأوزارنا، إنما هي، أوزار في مقام النبوة؛ بل أعلى مقامات النبوة والرسالة، مثل: (عفا الله عنك لم أذنت لهم)، ومثل: {يأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}، ومثل: {عبس وتولى}.

– كأن الخطاب في هذه السورة، بين الله وبين الرسول -صلى الله عليه وسلم – فيه كثير من اللطف والتأكيد والتبشير.

– نعم وكان الرسول -بحاجة- إلى هذه النداءات، والبشارات والتأييد من الله سبحانه، كما في لسورة التي قبلها، وهنا: (صدرك، وزرك، ذكرك، ربك).

     نعم، لقد رفع الله ذكر محمد -صلى الله عليه وسلم -، فلا يدخل الإسلام إلا من شهد له بالرسالة، ولا ينادى للصلاة إلا بهذه الشهادة، ومن ذكره ولم يصلّ عليه كان أبخل البخلاء، ومن المحرومين، ومن أكثر الصلاة عليه غفر الله ذنبه وكفاه همه وأمورا كثيرة، رفع الله بها ذكره صلى الله عليه وسلم  ومع أن هذه الآية نزلت قبل كثير من القرآن إلا أنها وعد من الله تحقق على مدى سنوات دعوته الثلاث والعشرين فما توفاه الله إلا وقد تحقق كل ذلك.

– وماذا عن العسر واليسر؟!

– هذه كانت للنبي -صلى الله عليه وسلم – ولأمته من بعده ولا شك أن الدعوة في بدايتاتها كان فيها من العسر ما فيها، ولكنه وعد من الله تحقق أن كل عسر يصحبه يسران، وليس بعد وإنما (معه)، ولا شك أن اليسرين يغلبان العسر الواحد.

      وختم السورة بدعوة للتوحيد الخالص لله: {وإلى ربك فارغب}، فقدم (ربك)، واستخدم (الرب) من الأسماء الحسنى؛ ما فيه من إقامة الحجة على العبد، فإن (الرب) هو الذي أحياك، ورباك، ورزقك، وأبقاك، وهو الذي يمدك بأسباب حياتك، وسعادتك، وكل شيء تحتاج إليه.

      وهو (ربك)، فينبغي عليك أن (ترغب إليه)، ولا (ترغب عنه) هذا هو المنطقة والعقل، والصواب وقدم (ربك) على (فارغب)، حتى ينفرد بذلك، أي لا ترغب إلى غيره، سواء من شهوات الدنيا، أم من تظن أنه (رب)، فلا (رب) يستحق أن ترغب إليه غير (ربك)، الله سبحانه وتعالى، وفي كلمة (فارغب)، دعوة للإقبال على الله، بحب ورغبة وإقبال؛ لأنه سبحانه  (ربك)، أقبل عليه ولا تعرض عنه، وأقبل عليه وأنت راغب في كل ما يطلبه منك؛ لأنه (ربك)، ولا شك أن الأمر للنبي – صلى الله عليه وسلم – وقد أنجز هذا الأمر، ولأمته منه بعده.