كنت وصاحبي في طريقنا إلى المقبرة، نرجو ثواب القيراطين، وتذكر الموت، وترقيق القلب، على أحد الجسور قرأ صاحبي: «في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة».

قرأها بصوت مسموع، علقت على عبارته:

– هل تعلم أنهم لو استبدلوا بهذه العبارة حديث النبي صلى الله عليه وسلم  «التأني من الله والعجلة من الشيطان» لكان أفضل؟!

– هل هذا الحديث صحيح؟

– نعم أخرجه أبو يعلي والبيهقي وهو في السلسلة الصحيحة.

– وهل يمكن أن نطبقه على التأني في قيادة المركبة؟

– من باب عموم اللفظ (نعم)، وذلك أن (العجلة) من الأمور التي ذمها الله عز وجل، ففي الآية رقم (37) من سورة الأنبياء يقول الله تعالى: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} (الأنبياء:37)، ويقول سبحانه: {وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا} (الإسراء:11)، ويقول عز وجل: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (يونس: 11)، فالعجلة من الأخلاق الذميمة، وهي التسرع وعدم التأني..

     عموما في الآيات يبين الله -عز وجل- أن الكفار يستعجلون قيام الساعة، ونزول العذاب الذي يحذرهم منه أنبياؤهم، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ۗ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (الشورى: 17-18).

وكما قال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال:32).

توقفنا عند آخر إشارة مرورية قبل أن نصل إلى المقبرة، أقفلت الإشارة الخضراء ثلاث مرات قبل أن نتمكن من عبورها لكثرة المركبات المتجهة إلى حيث نريد.

– وماذا عن تفسير قوله تعالى: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا}.

– في تفسير هذه الآية ورد:

     الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلبا لشيء يعتقد أن خيره فيه، مع أن ذلك الشيء يكون منبع شره وضرره، وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء، وإنما يقدم على مثل هذا العمل لكونه عجولا مغترا بظواهر الأمور، غير متفحص لحقائقها وأسرارها: {ويدع الإنسان بالشر دعاءوه بالخير وكان الإنسان عجولا}.

     وهذا من جهل الإنسان وعجلته؛ حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب، ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير، ولكن الله -بلطفه- يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم}.

– هذا من عجلة الكافرين، وماذا عن تعجل المؤمنين؟

– المؤمنون يستعجلون هلاك الكافرين، ويريدون من الله أن يهلك الكافر لحظة فجوره وظلمه وطغيانه، والمؤمن يستعجل زوال كربته وانفراج همه، وإجابة دعوته، وكما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم : «يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت فلم أرَ يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء» مسلم. وفي النهي عن استعجال الرزق، قال صلى الله عليه وسلم : «يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفى رزقها، وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم» ابن ماجه صحيح الترغيب والرهيب.

     وكذلك ينبغي على المؤمن أن يتريث في قبول الأخبار والحكم على الناس واتخاذ المواقف، ولاسيما في مسألة الطلاق، وكذلك لا يستعجل في العبادات؛ فالعجلة في الصلاة يبطلها، وفي قراءة القرآن يذهب أجره، كما في حديث المسيء صلاته، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه – قال: «لا تهذُّوا القرآن هذًّ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب»، وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها سمعت رجلا يقرأ القرآن يهُذُّه هذا فقالت: «ما قرأ هذا وما سكت»، ويكفي في مدح التأني حديث النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» حسن.