– ربما تسمعها في بلاد الغرب كثيرا، وقد تسمعها ممن لا يخفي إلحاده من أبناء جلدتنا، ولكن الغريب أن تكون على لسان حال بعض المصلين أحيانا!
– إن الاعتقاد القلبي بأنك لا غنى لك عن الله قضية إيمانية بل من أساسات الإيمان بالله -سبحانه- في جميع أحوالك وإن كنت تملك الدنيا كلها، ويقع تحت سلطانك العالم كله، ولكن بعض الناس لمجرد اتساع ملكه، أو كثرة رزقه، يشعر أنه في غنى عن الله، ويترجم ذلك الشعور بتصرفات يومية؛ فالصلاة يفوت وقتها ولا يعبأ لذلك، وربما جمع صلوات النهار مع الليل، إن كانت لديه الرغبة، وربما تركها لشدة إرهاقه، يسمع الأذان وكأنه نداء لا يعنيه، يستمر في حواراته، تقام الصلاة، يتابع حديثه، ولا يقوم لأداء صلاة الجماعة في المسجد الذي يقع عبر الشارع من ديوانه!
صلاة الجمعة هي المسحة الإيمانية الوحيدة التي ربما حافظ عليها إذا كان في منزله، وينتظر صعود الإمام المنبر، والأذان حتى يخرج إلى الجمعة.
– صنف من الناس، صلاة الفجر ليس في قائمة مواعيده، صلوات الجماعة ليست من اهتماماته فقط صلاة الجمعة يأتيها وكأنه يجر إليها جرا.
– إن العبد ينبغي أن يؤمن يقينا أن تردد أنفاسه، ونبضات قلبه، ورمش طرفه كلها يحتاج فيها إلى الله، فيشكر الله على هذه الأمور، ويتعامل معها أنها نعم من عند الله تستوجب الشكر والحمد والثناء على الله.
الوصف لا يكون لمخلوق؛ لأنه ما من مخلوق إلا وهو محتاج إلى غيره: فنحن محتاجون إلى العمال، والعمال محتاجون إلينا، ونحن محتاجون إلى النساء، والنساء محتاجة إلينا، ونحن محتاجون إلى الأولاد، والأولاد يحتاجون إلينا، ونحن محتاجون إلى المال، والمال محتاج إلينا من جهة حفظه، وتنميته، والكل محتاج إلى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} (فاطر: 15) (تفسير ابن عثيمين).
وهذه الصفة ليست إلا له -سبحانه- كما قال: {والله الغني وأنتم الفقراء} (محمد:38)، وقال: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}.
لما كثر الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم والإصرار من الكفار، وقالوا: لعل الله يحتاج إلى عبادتنا حتى يأمرنا بها أمرا بالغا، ويهددنا على تركها مبالغا فقال تعالى: {أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} فلا يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم وإنما هو لإشفاقه عليكم، وفي الآية مسائل:
– المسألة الأولى: التعريف في الخبر قليل والأكثر أن يكون الخبر نكرة والمبتدأ معرفة، وهو معقول؛ وذلك لأن الُمخبِر لا يخبر في الأكثر إلا بأمر لا يكون عند الُمخبَر به علم، أو في ظن المتكلم أن السامع لا علم له به، كقول القائل : زيد قائم أو قام أي زيد الذي تعرفه ثبت له قيام لا علم عندك به، فإن كان الخبر معلوما عند السامع، والمبتدأ كذلك، ويقع الخبر تنبيها لا تفهيما يحسن تعريف الخبر غاية الحسن، كقول القائل : الله ربنا ومحمد نبينا؛ حيث عرف كون الله ربا، وكون محمد نبيا، وههنا لما كان كون الناس فقراء أمرا ظاهرا لا يخفى على أحد قال: {أنتم الفقراء}.
– المسألة الثانية: قوله: {إلى الله} إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه، ولا اتكال إلا عليه، وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقرا إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره، ثم قال: {والله هو الغني } أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء، وأنتم من احتياجكم لا تجيبونه ولا تدعونه فيجيبكم.
– المسألة الثالثة: في قوله: {الحميد} لما زاد في الخبر الأول وهو قوله: {أنتم الفقراء} زيادة، وهو قوله: {إلى الله} إشارة لوجوب حصر العبادة في عبادته، زاد في وصفه بالغني زيادة، وهو كونه حميدا إشارة إلى كونكم فقراء وفي مقابلته الله غني، وفقركم إليه في مقابلة نعمه عليكم؛ لكونه حميدا واجب الشكر، فلستم أنتم فقراء والله مثلكم في الفقر بل هو غني على الإطلاق، ولستم أنتم لما افتقرتم إليه ترككم غير قاض لكم الحاجات، بل قضى في الدنيا حوائجكم، وإن آمنتم يقضي في الآخرة حوائجكم فهو حميد. (تفسير الرازي).
وهؤلاء الذين يشعرون أنهم لا يحتاجون إلى الصلاة ولا إلى الدعاء، فضلا عن التضرع والتذلل بين يدي الله، هم على خطر عظيم وفي حال المصيبة يتحقق للعبد منهم ألا خروج منها إلا بأمر الله، هذا النوع من المصائب التي يقف أمامها العبد عاجزا.
– في الواقع عندما أرى أحد هؤلاء، أكرر دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم : «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»، السلسلة الصحيحية، فإن أحدنا دون تثبيت الله له يضل ويزيغ، ودون حفظ الله له يهلك.