– وهل ينال العبد إثماً لمجرد النية بالمعصية؟

– ولماذا تقول: «مجرد النية»، وكأن النية شيء صغير؟!

– لم أقصد التقليل من شأن النية ولكن ظننت أن السيئة لا تكتب حتى يقترفها العبد.

هكذا كانت بداية حواري مع صاحبي ونحن في طريقنا لحضور درس من السلسلة العلمية في مسجد (عائشة المحري) في المسايل.

– هذه القضية فصل فيها الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- فقال:

أن يهمّ بالشيء المحرم، أو يعزم عليه، ثم يتركه؛ وهذا أنواع:

– النوع الأول: أن يتركه لله؛ فيثاب على ذلك، كما جاءت به السنة فيمن همّ بسيئة فلم يعملها أنها تكتب حسنةً كاملة؛ قال الله تعالى: «لأنه تركها من جرّائي» (متفق عليه)، أي من أجلي.

– النوع الثاني: أن يهمّ بها، ثم يتركها عزوفاً عنها؛ فهذا لا له، ولا عليه؛ لقول النبي[: «إنما الأعمال بالنيات؛ وإنما لكل امرئ ما نوى»(متفق عليه).

– النوع الثالث: أن يتمناها، ويحرص عليها؛ ولكن لا يعمل الأسباب التي يحصِّلها بها؛ فهذا يعاقب على نيته دون العقاب الكامل، كما جاء في الحديث في فقير تمنى أن يكون له مثل مال غني كان ينفقه في غير مرضاة الله؛ فقال النبي[: «فهو بنيته؛ فهما في الوزر سواء» ابن ماجه (صحيح).

– النوع الرابع: أن يعزم على فعل المعصية، ويعمل الأسباب التي توصل إليها؛ ولكن يعجز عنها؛ فعليه إثم فاعلها؛ لقول النبي[: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل؛ فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه»(صحيح ابن ماجه).

أعجب صاحبي بهذا التفصيل.

– إذاً الأمر يعتمد على أي درجة من النية يكون العبد، وهناك حديث آخر في مرحلة كتابة الإثم وتسجيله، إذا همّ العبد..

دعني أستخرج نص الحديث.

وفي أقل من دقيقة حصل صاحبي على بغيته.

– ها قد وجدت ثلاث روايات:

     وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله عز وجل: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإن أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها اكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة» (رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري).

وفي رواية لمسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة, ومن هم بحسنة فعملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف, ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه, وإن عملها كتبت».

     وفي أخرى له قال: عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله -عز وجل- إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة؛ إنما تركها من جراي».

كان يقرأ بينما كنت أنا خلف مقود القيادة.

– نعم وهنا ينبغي أن ننتبه إلى الألفاظ التي وردت في هذه الروايات، (أراد عبدي)، (همّ بحسنة)، (تحدث عبدي)، وهذه تفصيلها كما ذكر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- فيما سبق.

وقرأت لشيخ الإسلام ابن تيمية كلاما مشابها لهذا في كتابه: (الزهد والورع فصل الهم والعزم):

     وأما الهام بالسيئة الذي لم يعملها وهو قادر عليها فإن الله لا يكتبها عليه كما أخبر به في الحديث الصحيح، وسواء سمي همه إرادة أم عزما أم لم يسم، متى كان قادرا على الفعل وهم به وعزم عليه ولم يفعله مع القدرة فليست إرادته جازمة، وهذا موافق لقوله في الحديث الصحيح حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به. فإن ما هم به العبد من الأمور التي يقدر عليها من الكلام والعمل ولم يتكلم بها ولم يعملها لم تكن إرادته لها جازمة؛ فتلك مما لم يكتبها الله عليه كما شهد به قوله: من هم بسيئة فلم يعملها، ومن حكى الاجماع كابن عبد البر وغيره في هذه المسألة على هذا الحديث فهو صحيح بهذا الاعتبار. وهذا الهام بالسيئة فإما أن يتركها لخشية الله وخوفه أو يتركها لغير ذلك، فإن تركها لخشية الله كتبها الله له عنده حسنة كاملة كما قد صرح به في الحديث، وكما قد جاء في الحديث الآخر اكتبوها له حسنة فإنما تركها من أجلي أو قال من جرائي، وأما إن تركها لغير ذلك لم تكتب عليه سيئة كما جاء في الحديث الآخر فإن لم يعملها لم تكتب عليه؛ وبهذا تتفق معاني الأحاديث وإن عملها لم تكتب عليه إلا سيئة واحدة فإن الله -تعالى- لا يضاعف السيئات بغير عمل صاحبها، ولا يجزي الإنسان في الآخرة إلا بما عملت نفسه.

الشاهد أن المرء عليه أن يصلح نيته وقصده مع الله ومكان النية القلب، والقلب هو محل نظر الرب سبحانه وتعالى، وفي ذلك كفاية وعبرة لمن يؤمن بالله تعالى.