انتهى صاحبي من إجراءات شراء مزرعة الزيتون خلال يومين، قبل سفرنا قررنا تمضية اليوم كله هناك، خلال فترة العصر كنا نستمتع بجلسة أرضية هادئة بين أشجار الزيتون مع إبريق شاي أعده القيم على المزرعة، تابع صاحبي حواره:

– دعاء الله يكون بـ(اللهم) أو (يا رب)، بعد الثناء على الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع أن مفهوم الناس عامة أن الدعاء لا يكون إلا بالأسماء الحسنى، لقوله عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىفَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف:180).

– هناك مفاهيم خطأ كثيرة عند العامة حول الدعاء، أهمها: أن أحدهم لا يدعو الله إلا إذا أصابته مصيبة، ونزلت به ضائقة، مع أن العبد ينبغي أن  يدعو الله «دائما»، في السراء والضراء والضيق والسعة، وذلك أن الدعاء عبادة عظيمة يحبها الله -عز وجل- بل بيّن النبي صلى الله عليه وسلم مكانة الدعاء، فقال صلى الله عليه وسلم : «الدعاء هو العبادة»، السلسلة الصحيحة؛ وذلك أن الدعاء يظهر افتقار العبد لله، ولجوءه الدائم لربه، وإيمانه بأسماء الله وصفاته، وتوحيده لله بعدم اللجوء إلى غيره، وإقرار قلبه بأن أمور الخلق كلها بيد الله. إن الدعاء عبادة لا ينبغي للعبد أن يغفل عنها.

     صيغ يحبها الله -عز وجل- ويحب الله أن يسمع تضرع عبده وتذلله بين يدي ربه، وخلو قلبه من غير الله، وتعلقه الكامل به -سبحانه وتعالى- والدعاء من العبادات العظيمة التي لا تحتاج إلى مكان أو زمان أو طهارة جسدية أو ثروة مادية، أو صحة بدنية، بل يدعو العبد على كل حال، ويخلص في الدعاء ويرفع يديه تذللا لله وإلحاحا في الطلب، ويستمر في الدعاء أياما وأسابيع وأشهر دون توقف مع اليقين بأن الله (قريب مجيب) و(سميع عليم)، سبحانه ولا يقول: «دعوت ودعوت ولم يستجب لي فيتوقف عن الدعاء».

وزع علينا القيم على المزرعة الشاي، أخذت رشفة، وبالفعل كان من ألذ ما شربت.

– هل لك أن تزيدنا بيانا لماذا كان الدعاء بـ«اللهم» أو (ربنا)؟

– أما (اللهم)، فهو بمعنى (يا الله)، والمرء عندما يدعو بلفظ الجلالة فهو يحقق العبودية لله وحده، فهو تحقيق لتوحيد الألوهية لله، فـ(لا إله إلا الله)، ولذلك يدعو.

– ولكن العبد يحب أن يستجيب الله دعاءه، إذا دعاه.

– هذه قضية في العقيدة ينبغي أن تكون واضحة عند العبد، وذلك أن الله يستجيب للعبد إذا دعاه ما لم تكن هناك موانع للاستجابة، وموانع الاستجابة كثيرة أهمها: الكسب الخبيث، فيأكل من سحت ويلبس من سحت، ومن أموال حرام، هذا يمنع إجابة الدعاء، وكذلك الدعاء بقطيعة الرحم والإثم، وكذلك الدعاء مع الاستعجال بطلب الإجابة والتوقف إذا لم ير الإجابة سريعا، وكذلك التعدي في الدعاء بأن يدعو دون بذل الأسباب أو يدعو بأسماء لله غير صحيحة، وكذلك الدعاء دون حضور القلب، فقط بتحريك اللسان، والاعتقاد أن الدعاء إذا لم ينفع لم يضر.

– وماذا عن (اسم الله الأعظم) الذي إذا دعا به العبد استجاب الله له؟

– مع الموانع السابقة حتى الدعاء باسم الله الأعظم لا ينفع، والمرء إذا أراد أن يدعو بما يحب الله، فليختر من الأدعية التي تثبت في السنة، وإذا كان لا يحفظها، فليدع الله بأنه: (هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)، أو بأنه -سبحانه- (الحي القيوم)، أو بأنه هو (الله لا إله إلا هو سبحانه)، وهكذا، وعندما يدعو بـ(يا رب)، فهو يحقق توحيد الربوبية، فـ(الرب) هو الخالق،  القائم على خلقه، بالرزق والعطاء والنماء والشفاء والإطعام والحفظ والتوفيق، وكل ما يحتاجه العبد في حياته، هذان اللفظان يحققان توحيد الألوهية والروبية لله -عز وجل-؛ فإذا أضاف إلى ذلك شيئا من أسماء الله أو صفاته الصحيحة فإنه يجمع كل أنواع التوحيد، فيقول: «اللهم اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»، أو «اللهم اغفر لي وتب علي فإنك أنت التواب الرحيم»، أو «رب ارزقني فإنك أنت الغني الكريم»، وهكذا يتحقق في الدعاء كل أنواع التوحيد؛ ولذلك كان الدعاء هو العبادة.