كثير من إخواننا أبناء صعيد مصر يتسمون بـ(السيد)، وكثير من أهل العراق وشمال الجزيرة يستخدمون (السيد) لقباً، وبعضهم يخصه لمن يزعم أن سلالته تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتفاخر بعضهم أنهم (سادة) مع العلم أن النسب لا يغني إذا انعدم العمل. اضطررت في الفترة الأخيرة أن أوسع السكن العائلي لتنضم إلينا ابنتي بعد انتهاء فترة ابتعاثها وزوجها، وكان المنفذ لهذه التوسعة (سيد) المقاول المصري النصوح الأمين.

– هل تعلم يا (سيد) أن (السيد) من أسماء الله الحسنى؟

استغرب واستنكر، وسأل بلهجته الصعيدية.

– أستغفر الله!! وكيف يكون اسمي من الأسماء الحسنى؟

– لابأس في ذلك، هذا الاسم (السيد) ورد في حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن عبدالله بن الشخير قال: «انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله: أنت سيدنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم : السيد الله، قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طَوْلاً، فقال صلى الله عليه وسلم : قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان» (صحيح أبي داود). ومعنى الحديث أن لقب (السيد) في الإطلاق من باب التعظيم المطلق لله -عز وجل- وأما باقي الحديث فمعناه قولوا ما شئتم، ولكن لا يغوينكم الشيطان فتقولوا من التعظيم ما لا ينبغي إلا لله، مع أن الرسول[ قال عن سعد بن معاذ، وقد أتوا به جريحا في غزوة الخندق ليحكم في بني قريظة: «قوموا إلى سيدكم فأنزلوه». عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فجأة على حماره؛ فلما دنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قوموا إلى سيدكم» فجاء فجلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن هؤلاء نزلوا على حكمك» قال: فإني أحكم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية، قال: «لقد حكمت فيهم بحكم الملك»، وفي رواية: «بحكم الله» (متفق عليه).

كان صاحبي ينصت باهتمام، وأنا أحدث نفسي، هل يعي كل ما أقول؟ أم أنه يجاملني؟

عقب على حديثي.

– نحن في الصعيد نسمي (سيد) من باب الرجاء أن يكبر الطفل ويكون ذا مكانة، ولكن ما معنى (السيد) في حق الله -عز وجل-؟

     السيد في اللغة صفة مشبهة للموصوف بالسيادة، أصله من ساد يسود فهو سَيْوِد فقلبت الواو لأجل الياء الساكنة قبلها، ثم أدغمت، وقد سادهم سودا وسيادة يعني استادهم، والسيد يطلق على الرب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، ومتحمل أذى قومه، والزوج، والرئيس، والمقدم،، والسيد على الإطلاق هو الله؛ لأنه مالك الخلق أجمعين، ولا مالك لهم سواه.

     والسيد -سبحانه- هو الذي حقت له السيادة المطلقة؛ فالخلق كلهم عبيده، وهو ربهم، وهو الذي يملك نواصيهم ويتولاهم، وهو المالك الكريم الحليم، الذي يملك نواصيهم، ويتولى أمرهم، ويسوسهم إلى صلاحهم، قال ابن القيم في (تحفة المودود): وأما وصف الرب -تعالى- بأنه السيد؛ فذلك وصف لربه على الإطلاق؛ فإن سيد الخلق هو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون، وبأمره يعملون، وعن قوله يصدرون، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقا له -سبحانه وتعالى- وملكا له ليس لهم غني عنه طرفة عين وكل رغباتهم إليه وكل حوائجهم إليه كان هو -سبحانه وتعالى- السيد على الحقيقة.

     وقال الآلوسي في روح المعاني: «وإطلاق الصمد بمعنى السيد عليه تعالى؛ مما لا خوف فيه، وإن كان في إطلاق السيد نفسه خلاف، والصحيح إطلاقه عليه -عز وجل- كما في الحديث»، وقال ابن القيم: «السيد إذا أطلق عليه تعالى؛ فهو بمعنى المالك والمولى والرب لا بالمعنى الذي يطلق على المخلوق» (بدائع الفوائد).

الحمدلله، نحن لا نسمى (السيد)، وإنما (سيد) دون الألف واللام.

– هذا حسن؛ وذلك أن الاسم لـ(الألف واللام) المستغرقة لا ينبغي أن يطلق إلا لله -عز وجل- من باب الأدب مع الله، والأولى أن يتسمى المرء (عبدالسيد)، مع أنه من النوادر، ولكن هذا على الأصح، ودعني أذكر لك حادثة ما دمت تحب القصص والتاريخ.

– تعرف الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-؟

– نعم، إمام أهل السنة، ومن لا يعرفه؟

– كان في السجن فجاءه خادم الخليفة المأمون، وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول: يعز علي أبا عبدالله أن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك، وأقسم إن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف، فجثى الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء، وقال: سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل، اللهم فإن لم يكن القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته، فجاءهم الصريخ بموت المآمون في الثلث الأخير من الليل، وتلا يحيى بن معاذ الرازي هذه الآية: {اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}(طه: 43 – 44). قال: «إلهي وسيدي، هذا رفقك بمن يزعم أنه إله، فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله؟!».