انقسم المجتمع الكويتي في الفترة الأخيرة بصورة لم يسبق لها مثيل.. ولعل المحيّر في الأمر اجتماع أصحاب الفكر الليبرالي… الذين كانوا وما زالوا يعدون التدين صورة من صور الرجعية والتخلف.. اجتمع هؤلاء… مع من يستوي عندهم المصلي وغير المصلي.. ومعهم.. أقوام درسوا الشريعة ودرّسوها في الجامعة.. خليط غير متجانس اجتمعوا تحت شعار: «كرامة وطن». لا أحب السياسة.. ولا أمارسها.. ولا أتعاطاها.. ولا أجالس من يطرحها.
اجتمعت دون سابق ترتيب مع زميل لي منذ أيام الدراسة الجامعية.. لا ألتقيه كثيرا ولكن يعلم كل منا أخبار صاحبه.
– لماذا خرجت مع من خرجوا في المسيرة التي أسموها: «كرامة وطن»؟
استغرب أني عرفت بمشاركته في المسيرة… ولم ينكر، وإنما أجاب بتحد ووضوح:
– خرجت دفاعا عن الحق.. ونصرة للحق.. وإنكارا للباطل.
– جميل.. كل هذا الكلام.. ولن أناقشك في تفاصيل الحق الذي خرجت لأجله.. ولكن إذا اختلفنا في جواز «التظاهر» من عدمه.. وقبل ذلك.. ألا ينبغي أن نخضع تصرفاتنا جميعها لأمر الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.. من باب الالتزام بشريعة الله؟!
– طبعا.. كلنا نهتدي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. ونلتزم أمر الله.
– وإذا اختلفنا في أن أمرا ما يتفق مع شريعة الله أو يختلف مع شريعة الله.. كيف نصل إلى الحق في هذا الخلاف؟
– لدينا عقول.. نستطيع أن نميز من خلالها بين الحق والباطل.
أعدت صياغة سؤالي:
– أخبرتك أن عقلي اختلف في استنتاجه عن عقلك.. من الذي يحكم بيننا؟!
– الكتاب والسنة:
– لماذا لا تتلو قول الله عز وجل: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (النحل:43، الأنبياء:7).
سكت صاحبي.. ثم قال:
– ما الذي تريد أن تصل إليه؟
– أريد أن أصل إلى أن المسلم الذي يزعم أنه يتبع أوامر الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم يجب عليه أن يسأل «أهل الذكر»..من العلماء الربانيين ولاسيما في القضايا العامة التي تمس مصلحة الأمة.
– وأين أهل الذكر هؤلاء؟
– هل تزعم أنه لا يوجد علماء ربانيون لدينا في الكويت؟ أم إنك تزعم أنهم ليسوا بالعلماء الذين يحق لهم أن يجتهدو في القضايا العامة للأمة؟! إن الواجب على كل مسلم أن يسأل لجنة الفتوى العليا التي تتكون من علماء نثق بعلمهم ونزاهتهم -ولا نزكي على الله أحدا- قبل أن يقدم على عمل يمس أمن المجتمع وسلامته.. ولا يحق له أن «يجتهد» من تلقاء نفسه؛ لأن الأمر أعظم من اجتهادات طلبة العلم فضلا عن اجتهادات عامة الناس.
سكت صاحبي فتابعت:
– ولا أظن أن أحدا من المشاركين في هذه المسيرة.. سأل هيئة الفتوى.. وربما لأن القائمين عليها.. يعلمون سلفا الرأي الشرعي.. وأخشى أن هؤلاء ضمن من وصفهم الله عز وجل بقوله: {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون} (النور:47-50)، فالمؤمن يخضع لأمر الله سواء وافق هواه أم عارضه.. وإلا فإنه يتبع هواه ولا يتبع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فالعبرة ليست بالمظاهر والادعاءات.. بل بالتزام شرع الله ولاسيما إذا اختلطت الأمور وتشابكت الظروف وامتزج الحق بالباطل.. هنا.. ينبغي أن يسكت الجميع ويستمعوا إلى هيئة كبار العلماء.. ويطبقوا ما يصدر عنهم سواء وافق آراءهم أو ناقضها.. وإلا وقعت فتنة.. وكان سببها الأول.. اتباع من يزعم أنه من أهل الدين لهواه. ورأيه.. وإعراضه عن أمر الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يبينه هيئة كبار العلماء، لا طلبة العلم ودكاترة كلية الشريعة.
[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2012/11/Pages-from-issue_703.pdf” color=”red” newwindow=”yes”] تحميل[/button]