التقيته دون سابق موعد في حفل زفاف ابن صديق مشترك لنا، كانت قد مضت قرابة العشر سنين منذ آخر لقاء بيننا.
بعد التحيات والأسئلة المعتادة، أخذنا جانبا هادئاً نسبياً.
– قرأت حديثاً لا أعرف مدى صحته، ولكن بدايته: «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم» وبصراحة أعجبني الحديث، فهل مر عليك من قبل؟!
– سبحان الله، كنت في حلقة علمية ألقاها أحد المشايخ الأفاضل الذين دعتهم وزارة الأوقاف، وتناول هذا الحديث، فعزمت على حفظه، ومتنه: «إن الله ق سم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب، فمن ضن بالمال أن ينفقه وخاف العدو أن يجاهده وهاب الليل أن يكابره فليكثر من قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» هذا النص ورد في السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله.
– هل هناك رواية عن ابن مسعود بالنص ذاته؟
– نعم… الحديث يرويه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي بعض الكتب مثل صحيح الترغيب والترهيب يروى موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه والشاهد أن هذا الحديث يبين أن الله قسم الأخلاق بين العباد كما قسم الأرزاق، وحتى نفهم الموقف مما قسمه الله ينبغي أن نطبق هذا المعتقد على القضايا المادية الملموسة ونقيس عليها غيرها.
فنقول: الجميع يؤمن بأن الله قسم الأرزاق بين عباده، فلماذا لا يجلس هؤلاء في بيوتهم ويقولون: ما قسمه الله لنا سيأتينا ولو نمنا في بيوتنا ولم نسع في طلب الرزق؟ لا يقول ذلك عاقل، بل الجميع يسعى لطلب الرزق والاستزادة منه قدر ما يستطيع، بل السعي مطلوب ومأمور به: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} (الملك: 15)، {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} (الجمعة:10)، وكذلك قضايا الأخلاق والإيمان، فمن رزقه الله أخلاقاً حميدة – وذلك أن من الأخلاق جبليا ومكتسبا – ينبغي أن يحمد الله على الخلق الحميد ويستغله في كسب الثواب والأجر، أما الغالب من الأخلاق فهو من كسب ابن آدم؛ ولذلك يثاب عليه يوم القيامة، وثبت في الحديث: «ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق» صحيح الترغيب والترهيب؛ فالعبد المؤمن يؤمن يقيناً أن الله كتب كل شيء من رزق، وهداية، وإيمان، وولد، وتوفيق في أمور الدنيا، ومع ذلك يسعى في طلب الرزق ويتزوج لطلب الولد، وينبغي عليه أن يجتهد في طلب الإيمان والهداية والصلاح؛ فيبذل الأسباب الشرعية لينال كل هذا مع اليقين أن الله قد كتبها سابقاً.
قاطعني:
– والجزء الثاني من الحديث؟
– قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب.
هذه الحقيقة تريح العبد الصادق، فإن كان يزعم أنه يريد أن يكون فيمن يحبهم الله، لا ينظر إلى أهل الدنيا، بل إلى أهل الإيمان؛ فلا يكون عنده حسد، ولا جشع، ولا حرص على متاع الدنيا.
ثم يختتم الرسول صلى الله عليه وسلم حديثه بإرشاد المؤمنين إلى عبادة عظيمة وهي ذكر الله عز وجل؛ فإنه أثوب عند الله من إنفاق المال النافلة والجهاد النافلة والقيام النافلة، وهذا يصدقه حديث أبي الدرداء: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكارها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى، قال: «ذكر الله» صححه الألباني.
[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2012/08/Pages-from-675.pdf” color=”red” newwindow=”yes”]تحميل[/button]