– لم يكن تحقيق الإيمان بالقدر مشكلة عند الصحابة، فقد فهموا المطلوب منهم بأحاديث بسيطة سمعوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
– هل لك أن تبين ذلك بأمثلة؟
كنت وصاحبي نتمشى حول مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء من فندقنا الواقع عند الزاوية الشمالية الشرقية للمسجد.
– لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم مثلا في الحديث المتفق عليه، عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به».
وهذا شرح قول الله تعالى: {ياأيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليماً حكيما} (النساء: 170).
فإن الله بعث الأنبياء جميعا بالهدى، الذي هو البيان والإرشاد والحجة والبرهان وخاتمهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه بأعظم بيان وهو القرآن العظيم، فمن الناس من قبل هذا الهدى وأقبل عليه مخلصاً وأراد أن يستزيد إيماناً منه أن الهداية سبيل للنجاة بعد الموت، فهذا ييسر الله له درب الهداية ويزيده هدى.
ومن الناس من لم يهتم بهذا الأمر ولم يعتن به، ولم يرفع بذلك رأساً غفلة منه، أو ضعف إيمان، أو عدم يقين بما سيكون بعد الموت، فهذا تركه الله لما اختار.
قاطعني..
– وهل اختيار هذا وذاك بمحض إرادتهما؟ أم بتقدير الله؟
– كلا الأمرين معاً، هكذا فهم الصحابة الكلمات التي تلقوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ففي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة فأخذ شيئاً فجعل ينكت به الأرض، فقال: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة»، قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال صلى الله عليه وسلم : «اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاء»، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى} (الليل: 5 – 11)، وفي رواية قالوا: إذاً نجتهد.
ولاحظ -يا أبا عبدالله- أن التيسير للعمل من الله، أتى بعد العمل من العبد {أعطى واتقى…}، {فسنيسره لليسرى}، {بخل واستغنى}، {فسنيسره للعسرى}، ثم قرأ الآيات في سبب نيل الجنة: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (الأعراف: 43)، {لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون} (الأنعام: 127)، {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} (السجدة: 17)، {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون} (السجدة: 19)، {أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون} (الأحقاف: 14).
فلقد نالوها بأعمالهم، وسبق في علم الله ما هم عاملون فكتبه عز وجل، وهذا معنى الحديث: «إن الله عز وجل خلق آدم ثم أخذ الخلق من ظهره وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر» السلسلة الصحيحة.
فالعبد لا يعلم الغيب ولا يعلم ماذا كتب له، ولن يحاسب على ما كتب، بل سيحاسب على ما يعمل؛ ولذلك قال الصحابة: «إذاً نجتهد»، أو «إذاً نجد في العمل»، وهذا هو المطلوب من العبد أن يعمل بطاعة الله لينال الثواب من الله.
[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2012/08/Pages-from-668.pdf” color=”red” newwindow=”yes”]تحميل[/button]