كتب الله لي عمرة لم أخطط لها مسبقاً.. حين اتصل بي صاحبي وأبدى رغبته في صحبتي له.. لم أتردد.. قضينا يومين في مكة ومثلهما في المدينة التي لم أزرها منذ أكثر من عشر سنوات..

– أينما تقرأ في كتاب الله تجد آية توضح شيئاً من قضايا القدر.. كنت وصاحبي في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بين العشاءين.. وكنا قد سلمنا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة مباشرة.. وأخذنا مجلساً هادئاً ننتظر الصلاة الأخيرة..

فتح صاحبي المصحف… قرأ:

{إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} (الزمر:41)

– في هذه الآية.. ينسب الله الاهتداء للعبد.. {من اهتدى}.. وكذلك الضلال.. {ومن ضل}.. وذلك أن العبد يختار بإرادته ما يريد.. فالذي يختار طريق الهداية ويبذل أسبابها ينالها.. فضلاً من الله.. ومن يختار طريق الغواية ويسير فيها يتركه الله.. عدلاً منه عزّ وجلّ. والأول يثاب على طاعته.. والآخر يعاقب على معصيته.. في الآخرة أما في الدنيا… فلا جزاء ولا عقاب.. وإنما ابتلاء..

– هل نستطيع أن نجزم بأن من أراد الهداية نالها؟

– نعم.. إذا بذل أسبابها الصحيحة.. عمل الطاعات.. ترك السيئات.. الإخلاص لله.. ودعاء الله.. ومن أخل بشيء من هذه الشروط حرمه الله «الهداية».. وإن كان فيما يبدو «مهتديا».. وبهذا نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة.. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار» متفق عليه.

قاطعني..

– أريد شرحاً لهذا الحديث ولاسيما «فيسبق عليه الكتاب»؟

– بفضل الله لقد كنت اطلعت على شرح ابن حجر والنووي للصحيحين قبل فترة وجيزة.. نعلم ابتداء أن ما كتبه الله في اللوح المحفوظ إنما هو علمه… وما يقع في الكون يتفق مع ما كتبه الله لكمال علمه سبحانه وتعالى.. أما الأعمال: «الحسنات والسيئات» فلا تسجل على العبد إلا بعد أن يعملها.. وهنا تكون المحاسبة على ما يعمله العبد.. لا ما كتبه الله.. وفي شرح الحديث يقول النووي.. «والمراد بهذا الحديث أن هذا قد يقع في نادر من الناس لا أنه الغالب فيهم» وفي رواية.. «فيما يبدو للناس».. وذلك أن أحدنا لا ينبغي أن يحكم على أحد.. فيقول: «والله لا يغفر الله لفلان».. لكثرة معصيته.. أو يقول «فلان من أهل الجنة» لكثرة طاعاته.. فإن أحدنا لا يعلم خاتمة أي أحد.. وكذلك هذا الحديث يحذر الإنسان من سوء الخاتمة فلا يركن إلى صالح أعماله «ويضمن» الجنة بل يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ويكثر من الدعاء «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».. «السلسلة الصحيحة».. أما قوله صلى الله عليه وسلم : «فيسبق عليه الكتاب».. أي سبق في علم الله ما سيفعله هذا الإنسان ولكنه هو الذي عمل بعمل أهل الجنة.. أو عمل بعمل أهل النار.. فنال جزاء عمله.. لا أن الله كتب عليه بمعنى أرغمه على عمل أهل النار..

ولكن نبين أن هذا قد يحصل في القليل النادر من الناس لخلل في أسباب الهداية.. كالغرور أو العجب أو الاتكال إلى الأعمال الصالحة وعدم دعاء الله عز وجل.. فالهداية فضل من الله والضلال عدل من الله، لمن اختار هذه الطريق..

[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2012/08/Pages-from-666.pdf” color=”red” newwindow=”yes”]تحميل[/button]