– تعال نذكر آيات أخرى لبيان جانب آخر من القدر، يقول عز وجل: {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (البقرة: 142)، ويقول سبحانه: {لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} (النور: 46)، ويقول: {وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد} (الحج: 16)، {يضل به كثيرا ويهدي به كثيراً} (البقرة: 26)، {ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} (الرعد: 27)، وكذلك: {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء} (فاطر: 8)، {كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء} (المدثر: 31)، هذه بعض الآيات وهناك غيرها.

– وما الاعتراض في هذه الآيات؟!

– يقول أصحاب الأهواء: الهداية بيد الله، فلو هداني الله إلى الصلاة لصليت؛ لأن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

– رغم أني لا أعرف الإجابة الناجعة عن هذه الشبهة، إلا أني أعلم أنه لا ينبغي لمسلم أن ينسب إلى الله أنه أضله, ولذلك هو لا يأتي بالطاعات ويرتكب المحرمات.

كنت وصاحبي نتابع نقاشنا حول قضايا القدر ، ويعجبني فيه رغبته في تعلم القضايا الشرعية، رغم أنه نال درجة الأستاذية في علم الأحياء.

– صدقت يا (أبا عبد الله) إذا عجز المرء عن فهم بعض الأمور فلا ينبغي أن ينسب إلى الله أي نقص أو عيب، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً.

– لنرجع إلى معاني الآيات.

– هذه الآيات تبين أن الله {يضل من يشاء ويهدي من يشاء}، وتعال نقرأ الآيات التي تبين هذه الآيات، يقول عز وجل: {وما يضل به إلا الفاسقين} (البقرة: 26)، ويقول سبحانه: {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب} (غافر: 34)، ويقول: {كذلك يضل الله الكافرين}، وبالمقابل يقول عز وجل: {ويهدي إليه من أناب} (الرعد: 27)، {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} (طه: 123)، {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار} (الزمر: 3)، {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} (غافر: 28)، {والله لا يهدي القوم الظالمين} (البقرة: 258)، {والله لا يهدي القوم الكافرين} (البقرة: 264)، {والله لا يهدي القوم الفاسقين} (المنائدة: 108).

فالله عز وجل لا يهدي الفاسقين والمسرفين والكاذبين والظالمين والكافرين والمرتابين، بمعنى أن هؤلاء القوم اختاروا هذه السبل البعيدة عن هدى الله، وأعرضوا عن أوامر الله، فتركهم الله لما اختاروا، وعلى الجانب الآخر يهدي الله عز وجل {من أناب}، و{يهدي من اتبع رضوانه}، أي: اجتهد في عمل ما يرضي الله عز وجل، ويهدي من اتبع الهدى الذي أنزله الله، بمعنى أن هولاء القوم اجتهدوا في طاعة الله ونيل رضوانه فوفقهم الله بزيادة {والذين اهتدوا زادهم هدى وأتاهم تقواهم} (محمد:17).

وبهذا المعنى نفهم {يهدي من يشاء ويضل من يشاء} أن الذين ضلوا وكفروا وفسقوا وسلكوا درب الضلال، لم يفعلوا ذلك رغماً عن الله عز وجل، بل تركهم الله يفعلون هذه الأمور ويرتكبون هذه الكبائر (حتى الكفر) مع أنه عز وجل لا يحبها ولا يرضاها، ولكنه سبحانه أذن بوقوعها، وذلك حتى يجازيهم بالعدل يوم القيامة، والفائزون اجتهدوا في طاعة الله، فأذن الله لهم بطاعته ووفقهم إلى مرضاته وزادهم من فضله، حتى يجازيهم بأفضل ما عملوا يوم القيامة، فالهداية والإضلال ليس عشوائيا وليسا قهراً ورغماً على الله، بل بإذنه سبحانه، وإن كان عز وجل يبغض الكفر والظلم والفسوق، ولكنه سمح بوقوعه في ملكه لمن أراد ذلك.

[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2012/08/Pages-from-657.pdf” color=”red” newwindow=”yes”]تحميل[/button]