– لا بد أن نتذكر دائماً عندما نريد مناقشة أية قضية أنه لا تعارض بين آيات الكتاب العزيز، ولا بين الأحاديث الصحيحة، ولا بين الآيات والأحاديث الصحيحة.

– وهل هناك من لا يقر بهذه القاعدة، بل هذا الأصل البدهي؟!

قالها صاحبي مستغرباً.

– نعم.. وإن لم يقولوها بلسان المقال، وبعد هذه التذكرة تعال نقرأ بعض الآيات من كتاب الله تعالى، يقول تعالى: {ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير} (المائدة: 40)، ويقول عز وجل: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وآليه تقلبون} (العنكبوت: 21).

يحتج بعض الناس بهاتين الآيتين ليقولوا: لماذا العمل إذا كان الله يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، والرد بكل بساطة نقول لهم: اقرؤوا جميع الآيات التي تبين من يعذبهم الله، مثلاً: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} (الانفطار: 13)، {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} (الأعراف: 50)، {مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار} (الرعد: 35)، {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً} (الأحزاب: 64)، {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً} (الزمر: 71)، {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً} (الزمر: 73)، {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً} (مريم: 63)، {وألفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين} (الشعراء: 90)، {إن الذين كفروا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين} (الأعراف: 40).

وآيات أخرى كثيرة تبين أن مآل الكافرين النار وأن الله يعذب الكافرين، والمجرمين، والظالمين، وأن مآل المؤمنين الجنة، وأن الله يغفر للمتقين والمخبتين والصادقين والمستغفرين، فإذا جمعنا هذه الآيات بتلك التي تبين أن الله {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} اتضح المعنى.

كان صاحبي منصتاً.. متابعاً يهز رأسه موافقاً:

– أكمل الاستنتاج والبيان.

– أقول: يتضح المعنى بأن العذاب لمن يستحقه من الناس نتيجة كفره وظلمه، والرحمة لمن يستحقها من الناس جزاء طاعته وتقواه، وكل ذلك بمشيئة الله، أي إن العاصي لا يعصي رغماً عن الله، بل أذن الله للمعصية أن تقع، وأذن الله للظلم أن يقع مع أنه حرمه ونهى عنه ولا يحبه، ولكنه سمح بوقوعه في ملكه ممن يريد أن يرتكبه من خلقه، ولو شاء عز وجل لمنعه، ولكن حتى يعطي كل أحد حسب عمله سمح لأهل المعصية أن يرتكبوا معاصيهم، وأما أهل التقوى والصلاح الذين يريدون رضا الله ويحرصون على نيل مغفرته وعفوه؛ فإنه سبحانه يتفضل عليهم بزيادة توفيق وسداد؛ فيزدادوا في طاعة الله عز وجل، وينالوا الجنة لا مقابل أعمالهم، بل تفضلا من الله؛ ذلك أن أعمال العبد تقصر عن أن تدخله الجنة، وكل ذلك مرة أخرى بمشيئة الله, وهذا معنى: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} وفق أعمالهم, لا عبثاً ولا بعشوائية، تعالى سبحانه عن ذلك.

[button link=”https://www.prof-alhadad.com/wp-content/uploads/2012/08/Pages-from-656.pdf” color=”red” newwindow=”yes”]تحميل[/button]